مشعل النامي


الاشك ان الوثائق المنشورة على الموقع الإلكتروني quot;ويكيليكسquot; تدشين لمرحلة جديدة ستتضح معالمها لاحقا

نعم , إن الولايات المتحدة التي بدا وكأنها تضررت من هذه التسريبات , هي في واقع الأمر أكبر المستفيدين من هذه الوثائق , وفي السياسية أو حتى في الجرائم فإن أردت أن تعرف الفاعل , عليك أن تبحث عن المستفيد.
نشر موقع ويكيليكس كماً من المعلومات بدا وكأنه كبير للوهلة الأولى , ولكن بعد أن انقشع الغبار ظهرت حقيقة أن الأمر قد أخذ أكبر من حجمه بكثير , فأربع مئة ألف وثيقة تلاها ربع مليون وثيقة , يفترض أن تكون كلها فضائح , لم نجد منها ما تطرق لما أسمته أميركا quot;الحرب على الإرهابquot; , ولم نجد فيها أي شيء مهما في ما يخص القضايا العالمية الكبيرة التي تمسك أميركا ببعض خيوطها , كالقضية الفلسطينية وما يتعلق بها من محادثات , أو قضية غزو العراق وما تلاه من دور محوري للولايات المتحدة في الشأن المحلي العراقي , وكذلك لا يوجد شيء مهم بخصوص أفغانستان ولا عن حرب اليمن مع الحوثيين , فهل يعقل أن كل ما تعرفه السفارة الأميركية عن حرب اليمن هو تبني الرئيس اليمني للقصف الأميركي وكذب أحد الوزراء على البرلمان اليمني بهذا الخصوص ?!
وعدم وجود ما يعكر صفو علاقة الولايات المتحدة بالصين مثلا التي لا تحرص على استفزازها , أو علاقة الولايات المتحدة بحلفائها الأكثر قربا كبريطانيا وإسرائيل , لهو أمر مثير للريبة !
إن أكثر ما جاء في هذه الوثائق هي معلومات بديهية ولكنها لم تظهر إلى العلن , أو مواقف شخصية لبعض الزعماء أو كبار المسؤولين , وليس فيها أهمية تؤثر في السياسية الخارجية للولايات المتحدة بتاتا , فمن المعروف أن كل البعثات الديبلوماسية في العالم ترسل التقارير لدولها , وها هي بريطانيا تنشر مثل هذه التقارير بعد أن يفوت عليها 30 عاماً , أي أن هذا الأمر لن يؤثر في سير عمل البعثات الديبلوماسية الأميركية المنتشرة في دول العالم , ويمكن لهذه البعثات أن تستعيد ثقة المسؤولين للحصول منهم على المعلومات بمجرد التعهد لهم بأن تدابير اتخذت تكفل بعدم تسرب أي وثيقة مستقبلا.
من الواضح أن ما سرب من وثائق إنما أريد له أن يتسرب على أقل تقدير , والهدف من ذلك هو إحراج من لا يذعنون تماما لرغبات الولايات المتحدة , فلم تظهر الوثائق أي مسؤول يبدي إذعانا للهيمنة الأميركية التي تحكم العالم , فإذا كانت سياسة أميركا الخارجية هي فقط ما تسرب في هذه الوثائق , فكيف إذا بسطت الولايات المتحدة نفوذها وسيطرتها على العالم ?
بل إن التسريب بهذه الصورة إنما أريد منه إيهام العالم أن ليس لدى الولايات المتحدة ما تخفيه حول القضايا العالمية المهمة , و إيهام العالم بأن الولايات المتحدة لن تتضرر بتسريب أي معلومات مهما كانت كميتها أو أهميتها , وربما يراد منه أيضا إيهام بعض الدول بأن الولايات المتحدة لا تعلم شيئاً عن أنشطتها السرية أو غير المعلنة وأن كل ما تعلمه لا يتعدى معلومات سطحية يمكن لأي شخص أن يعرفها.
لا شك أن وثائق quot;ويكيليكسquot; إنما هي تدشين لمرحلة جديدة ستتضح ملامحها لاحقا , وهذا يدعونا لأن نتعامل كدول خليجية معها وفق هذا المنظور , ولا ننخدع بألعاب أجهزة المخابرات , فمثلما تعمل تلك الدول وفق مصالحها , فإن علينا أن نعمل نحن أيضا وفق مصالحنا أيضا.