محمد المزعل

قبل عدة سنوات، توقع محمد حسنين هيكل تحول laquo;القوة العربيةraquo; من المركز إلى الأطراف. قصد الكاتب الشهير بالمركز مصر وسوريا والقوى العربية التقليدية. أما بالأطراف فكان يعني دول الخليج العربية.
وشرح آخرون أنه في الألفية الجديدة حتى الدول laquo;الصغيرةraquo; مثل قطر ستلعب دورا أكثر أهمية في السياسة الإقليمية وتؤثر في القرار العربي سياسيا واقتصاديا من دول تفوقها حجما مساحة وسكانا وبالطبع تاريخا. مراقبون ذكروا أنه، على سبيل المثال، في الإصلاح الديمقراطي باتت دول laquo;صغيرةraquo; أخرى مثل البحرين والكويت تقود الطريق في العالم العربي.
ربما لم يكن هيكل يقصد كل ذلك حين تحدث عن laquo;انتقال مركز الثقل العربيraquo;. لكن ذلك لا شك مؤشر على الموقع المتميز عالميا الذي باتت دول الخليج تتمتع به منذ بدء الألفية الثانية.
القصة الحقيقية للخليج تتمثل أكثر في قدرة تلك الدول على إدارة تلك الثروات وجعلها في خدمة عملية التنمية البشرية، بما في ذلك تحديث البنية التحتية laquo;من طرق وكهرباء ومعلومات واتصالات وخدمات صحيةraquo;، تطوير نظام تعليمي متقدم، بناء منظومة اقتصادية متكاملة، مما جعلها قادرة على التنافس في مواجهة لاعبين كبار في العالم والفوز عليهم.
في الاتجاه ذاته، وبينما تصارع دول عربية عدة ضد ارتفاع نسبة البطالة بين شبابها وتئن تحت الديون المتصاعدة، مما يزيد من هجرة عمالتها الماهرة وذات التعليم العالي، صارت وجهات مثل الإمارات ودول خليجية أخرى تجذب النسبة الأكبر من الشباب الموهوب وتوفر في المقابل أسلوب حياة حديث وآمن عبر تخطيط علمي وإدارة حكيمة للثروة النفطية. كان فوز الإمارات، في مواجهة قوة غربية كبيرة كألمانيا، في استضافة المقر الدائم للمنظمة الدولية الجديدة الخاصة بالطاقة المتجددة (آيرينا) مثالا على ذلك.
إن تحول مركز القرار العربي لم يحدث بين ليلة وضحاها بالطبع. لقد أخذ عقدين على الأقل من العمل المتواصل، والمشترك، ضمن منظومة مجلس التعاون الخليجي، الذي تأسس في العام 1981، والاستغلال الأمثل للثروة الخليجية محليا وإقليميا. كما أن جزءا مهما الفضل يعود إلى الاستقرار السياسي والأمني في دول المنظومة مقارنة بالقلاقل السياسية والمواجهات العسكرية في أكثر من دولة في المنظقة العربية. دول مثل اليمن ولبنان وفلسطين والسودان والعراق وحتى غير العربية مثل أفغانستان وباكستان تتطلع اليوم إلى دعم دول الخليج لحل مشكلاتها.
قبل بضعة أيام، استضافت الإمارات مؤتمرا دوليا لدعم الاستثمار في أفغانستان والمساعدة على إعادة تأهيل الإقتصاد هناك. الدول الخليجية مجتمعة مستمرة في مواجهة التوسع الإستيطاني الإسرائيلي في الأراضي المحتلة عبر بناء مدن سكنية ومستشفيات ومدارس في المدن الفلسطينية. كما أنها أنقذت الاقتصاد الفلسطيني من الانهيار أكثر من مرة عبر دفع رواتب القطاع العام بالكامل. الوساطة القطرية في مايو 2008 ساعدت لبنان على تجاوز أقسى أزماته السياسية والتي كادت تهوي به في حرب أهلية أخرى. الدعم السعودي يتواصل للحفاظ على وحدة اليمن. أمثلة قليلة على laquo;القوةraquo; المتزايدة لدول مجلس التعاون ومؤشر على أن تحول الثقل العربي إلى laquo;الأطرافraquo; ليس تشريفا أو شعارا نتباهي به، بل يحمل الدول الست مسؤوليات لا مفر من مواجهتها.
لذلك تكتسب قمة مجلس التعاون، التي تختتم اليوم، أهمية أكبر من السنوات الماضية. بالطبع هناك قضايا خليجية تحتل الصدارة مثل الوحدة النقدية والسكة الحديدية واستمرار التكامل السياسي والاجتماعي. لكن هناك قضايا إقليمية يجب أن تقدم دول المجلس حلولا لها. مجلس التعاون اليوم الجهة العربية الأكثر قدرة ومصداقية لمواجهة هذه القضايا.
محددات الأمن الإقليمي صارت، كما كان واضحا في الوثائق الأمريكية التي نشرها موقع laquo;ويكيليكسraquo; مؤخرا، أكثر تعقيدا، بحيث تترابط قضايا قد لا تبدو ذات صلة في الظاهر. كثيرا ما يطرح القلق الخليجي من السياسات الإيرانية وبرنامج طهران النووي بتلازم مع التعنت الإسرائيلي ورفض بنيامين نتانياهو القبول بشروط التسوية في الشرق الأوسط.
عبر رفضها المبادرات العربية المتواصلة لتحفيز محادثات تسوية ذات معنى والهجمة الاستيطانية المستمرة، صارت إسرائيل توفر لإيران، وفقا لنظرة الكثيرين ، مجالا للتدخل في شؤون بعض الدول laquo;والحركاتraquo; العربية من طريق معاداة إسرائيل ودعم الصمود الفلسطيني.
صرح الأمين العام لمجلس التعاون عبد الرحمن العطية أن إسرائيل، وليس إيران، laquo;العدو الحقيقيraquo; للدول العربية. لا بد لقمة أبوظبي أن تخرج بخطة عمل واضحة، وتحمل جدولا محددا لتنفيذها، للتعامل مع هذين التحديين مع تركيز أكبر على دفع تسوية عادلة ودائمة للصراع مع إسرائيل يلفت قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس ويحفظ حق اللاجئين في العودة. إن على مجلس التعاون، وفي وسعه أيضا، التأثير على الولايات المتحدة laquo;بحكم انتقال الثقل العربي إلى الأطرافraquo; لتنفيذ رؤية باراك أوباما لتحقيق تسوية عادلة قبل انتخابات الرئاسة المقبلة خلال عامين. إن مثل هذه التسوية تسلب الأطراف المتشددة من استغلال الجمود السياسي لاكتساب مناطق نفوذ في المنطقة.
إن مواطني مجلس التعاون يتطلعون إلى خطط عملية تخرج بها قمة أبوظبي اليوم لتكريس التكامل الخليجي. إقليميا، القمة اختبار آخر لواقعية نظرية هيكل.