يوسف الكويليت

هل فقدت أمريكا هيبتها العالمية، وهل الحكومة الراهنة بقيادة أوباما السبب المباشر أم أن تجاوزات الرئيس السابق بوش، ومحافظيه الجدد هم من خلق المواجهة مع دول العالم حين استهتر بالقوانين الدولية في غزو العراق وأفغانسان واعتبار الحلفاء الأوروبيين مجرد دول وشعوب عفا عليها الزمن بسبب تقادمها وسكونها وعدم حضورها على الساحة الدولية؟..

قد تكون هذه جزءا من الأسباب لكن غرور الدولة بأنها القطب الواحد الذي يحق له التفرد بالقوة وفرض القوانين التي تخدم سياسة وأهداف الدولة العظمى، أفرز قضايا الأزمة المالية والأخلاقية لمعظم المؤسسات، ثم أن تكاليف انتشار القوة على مساحات عالمية والصرف عليها، والدخول في صراعات كبيرة وصغيرة، والتصرف وفق فلسفة خلق الأزمات، وضع أمريكا في حالة انعدام الوزن، ومن يقرأ التاريخ ممن استندوا إلى أحداثه بصعود وسقوط الأمم، يدرك أن التحولات العالمية لا تقوم على القطبية الواحدة المهيمنة وأمريكا قد تضعف وتحافظ على قوتها، لكنها لن تكون مطلقة الإرادة أمام صعود أقطاب جدد يريدون الجلوس على كرسي القيادة في التساوي بالمسؤوليات وإدارة العالم وفق منافسات علمية وفكرية ونواتج اقتصادية تجعل مثل هذه السباقات مركز التوافق أو التنازع، وهي القاعدة العامة عندما تبرز قوى تريد أن يكون لها مكان في الوجود والتاريخ وصياغة المستقبل..

هناك الكثير مما قيل ويقال عن أمريكا، أي أن مؤثراتها لا تزال قائمة في الأزمات المالية أو السياسية، وحين نتحدث عن العلاقة معها في منطقنا العربية نجد أنها لا تزال تدور في حلقة السلام التي تتحرك بالأهواء وليس بالمصالح العليا البديلة، كذلك ما خلفته في العراق ونمو ظاهرة الإرهاب التي غايته الأساسية إعلان الحرب على أمريكا، بشكل خاص، ثم من يوضعون على قائمة حلفائها في المنطقة..

وإيران صداع جديد في صعود قوتها العسكرية التقليدية، وما فوق التقليدية ويأتي كشف أسرار سفاراتها في الخارج التي فضحها موقع laquo;ويكيليكسraquo; ضربة موجعة بعدم الوثوق حتى في طرح الآراء مع دولة مخترقة وتتصرف مع الدول، وفق تلك البرقيات بما يشبه الاستهجان والازدراء، ومع الجدل الطويل والدائر بأن ما سرب ربما جزء من حبكة سياسية قصد فيها اختبار الرأي العام العالمي، إلا أن أضرارها أكبر من تعمد فضح أسرار بهذا المستوى..

التطورات الداخلية لأمريكا يسودها شعور عام بأن ما تفقده لا تستطيع أن تسترده، وهي أزمة نفسية بدأت مع أحداث ١١ سبتمبر، ثم التصعيد بالقوة، واكتشاف أن الثمن مردوده هائل، وحتى بالنسبة للخارج فالمواقع الحساسة في العالم مثل الكوريتين في آسيا وتعقيدات الأوضاع في أمريكا اللاتينية التي تريد الخروج من الوصاية للدولة العظمى، وتراجع التأييد الأوروبي لها والانكفاء على نفسها، ومضاعفات أخرى مع الصين وروسيا، أدت إلى أن تصبح أزمات لا تستطيع أمريكا مواجهتها منفردة، ولا بد من الإقرار بواقع جديد وأدوات جديدة..