سركيس نعوم

قبل ايام قال رئيس حزب quot;القوات اللبنانيةquot; الدكتور سمير جعجع كلاماً نقلته وسائل الاعلام على تنوعه يفيد ان اصرار فريق 8 آذار على طرح ملف شهود الزور على التصويت داخل مجلس الوزراء لم يعد في محله، لأنه حصل، وإن على نحو غير مباشر، عندما اتخذ رئيس الجمهورية ميشال سليمان المُمَثَّل في الحكومة بخمسة وزراء ووزراء quot;اللقاء الديموقراطيquot; بايعاز من رئيسه الزعيم الدرزي الابرز وليد جنبلاط قراراً بعدم مجاراة وزراء 8 آذار في موقفهم المصر على التصويت، وعندما نفذه سليمان برفع الجلسة، طبعاً رفض نواب وسياسيون من فريق 8 آذار هذا الكلام معتبرين انه ينطوي على الكثير من quot;التشاطرquot; وليس quot;الشطارةquot;. ورحب به رفقاء له في فريق 14 آذار وإن من دون تعليقات مباشرة ومهمة عليه. الا ان ذلك لم يمنع كثيرين من التساؤل ليس عن حصول التصويت المباشر او عدم حصوله بل عن الموقف الفعلي لرئيس الجمهورية والزعيم الدرزي الابرز الذي أحبط للمرة الثانية على الاقل خطة 8 آذار لحسم ملف شهود الزور بالتوافق وبالتصويت اذا تعذر.
هل من جواب او أجوبة عن تساؤل كهذا؟ او هل من تعليق او تعليقات عليه؟
يجيب العارفون ومتابعو الاوضاع اللبنانية بتشابكاتها الاقليمية والدولية عن ذلك بالقول اولاً، ان موقف رئيس الجمهورية والذي اعتبره جعجع حاسماً في ملف شهود الزور ليس نهائياً. ويجيبون ثانياً بأنه لن يكون نهائياً الا بعد توصل سوريا والعربية السعودية الى تسوية للملف المذكور ولمشكلات اخرى مرتبطة به واكثر صعوبة منه تقنعان بها فريقي الصراع الداخلي اي 8 و14 آذار. وهذا امر لم يحصل بعد، علماً ان هناك تناقضاً بين العارفين والمتابعين حيال مدى تقدمه حتى الآن. ويجيبون ثالثاً، بأن عدم توصل سوريا والسعودية الى تسوية واستمرار سليمان في التروي والهدوء وعدم اتخاذ مواقف حادة وابقاء الباب مفتوحاً امام كل الاحتمالات لا بد ان يدفعه الى الاختيار سواء كان عدم التوصل المذكور نتيجة تجدد الخلاف بين هاتين الدولتين، او نتيجة اقتناعهما بعجزهما عن التفاهم لاسباب اقليمية من جهة ودولية من جهة اخرى. والاختيار لا يعني فقط السير في التصويت بل يعني ان عليه ان يحدد لوزرائه اذا كانوا فعلاً كذلك، واذا لم يكن بعضهم مخترقاً، الجهة التي سيصوتون الى جانبها 8 او 14. ويجيبون رابعاً، بأن العلاقات بين سليمان والقيادة السياسية العليا في سوريا جيدة، رغم عدم اعتبارها اياه quot;حليفاًquot; وفق مواصفاتها للحليف، وينطلقون من ذلك الى الاشارة الى انه ما كان ليكرر تأجيل التصويت لو لم تكن موافقة عليه أو متفهمة لدوافعه. وموافقتها هذه لا بد أن تكون نتيجة اتصالات ومشاورات مع الخارجين الاقليمي والدولي، ولا بد أن تكون لها علاقة بخوفها من اندلاع فتنة او حرب مذهبية تؤذيها كما تؤذي حلفاءها اللبنانيين رغم احتمالات تحقيقهم نجاحات أولى فيها. ويجيبون خامساً، بأن سليمان سيحسم موضوع التصويت على ملف شهود الزور كما على القضايا المتفرعة منه يوم تحسم القيادة السورية المشار اليها قرارها النهائي.
اما الزعيم الدرزي الابرز وليد جنبلاط، فان العارفين ومتابعي الاوضاع اللبنانية انفسهم، يشبّهون موقفه والى حد كبير بموقف الرئيس سليمان. فهو ينسق بدقة مواقفه مع دمشق، وسيتخذ القرار النهائي حول الموضوع المذكور اعلاه فور اتخاذها في شأنه القرار الذي يؤمن مصالحها اولاً ثم مصالح لبنان او بالاحرى مصالح حلفائها فيه. طبعا يفضّل الزعيم الجنبلاطي ان يكون موقفه نتيجة تسوية سورية ndash; سعودية، لأن علاقاته quot;جيدةquot; مع المملكة، ولأن خسارتها قد لا تُعوّض على اكثر من صعيد. لكنه في النهاية عملي وquot;براغماتيquot; اي يمشي مع الأقوى والقادر على ممارسة سياسة العقاب والثواب. الا ان quot;عمليتهquot; هذه قد تضعه في شيء من الارتباك وخصوصاً اذا برز نوع من الاختلاف بين موقف كل من quot;حزب اللهquot; واستطراداً راعيته ومؤسسته ايران الاسلامية وسوريا الاسد حول الموضوع المطروح. ذلك ان الحزب هو الاقوى على الارض في لبنان. وسوريا استعادت حضورها والنفوذ فيه وكذلك دورها بواسطته اولاً ثم بمساعدة حلفائها الآخرين. طبعاً لا أحد من هؤلاء يعرف اي موقف قد يتخذه جنبلاط في هذه الحال. لكنهم يكادون ان يجمعوا على ان المواجهة الجارية، وخصوصاً على صعيد المحكمة سواء داخل لبنان أو في المنطقة أو مع المجتمع الدولي، لن تسمح لطهران ودمشق والحزب ابن الاولى وحليف الثانية بترف الاختلاف الفعلي، ذلك لأنهم كلهم في quot;الدقquot; وسيبقون كذلك سواء ذكر التقرير الاتهامي الدولي أسماء البعض منهم أو أحجم عن ذلك.
في اختصار يفضل الرئيس اللبناني ميشال سليمان تلافي كأس الاختيار المرة. ويفضّل الزعيم الدرزي الابرز وليد جنبلاط الامر نفسه. لكن ماذا عن quot;حزب اللهquot;؟ هل يقبل تسوية لا تحميه تماماً؟ وهل يقبل الاعتراف بحقيقة او بالاحرى بقاعدة عامة هي ان quot;الصغيرquot; في أي ملف، وعذراً لهذا التعبير، لا يستطيع ان يملي سياسته على كباره وخصوصاً اذا كان مدينا لهم رغم ما قدمه اليهم، ورغم قوته الهائلة التي تمكنه اذا اراد من مواجهة الضغوط الحليفة والعدوة في آن واحد؟
طبعاً لا يمتلك أحد أجوبة عن هذه الاسئلة أو التساؤلات. لكن تمكن الاشارة الى ان سوريا الأسد بالنسبة الى quot;حزب اللهquot; وشعبه هي عمق استراتيجي لا يمكن الاستغناء عنه. علماً ان لبنان quot;النافذةquot; فيه كلمة quot;حزب اللهquot; وشعبه هو عمق استراتيجي صريح بل ضروري لها ايضاً.