راجح الخوري


عمر الديموقراطية البرلمانية في الكويت 48 عاما. ولن يكون الآن في وسع النواب quot;المعارضينquot; واي معارضة، ان يهدموا هذه التجربة المتقدمة خليجيا وعربيا، ولو واصلوا مسلسل الاستجوابات المفتعلة والممجوجة، ليصلوا الى 480 استجوابا، بهدف عرقلة الحكومة وتعطيل النظام.
بات الهدف التعطيلي واضحا تماما في اذهان المسؤولين وفي مقدمهم امير البلاد الشيخ صباح الاحمد الصباح ورئيس الحكومة الشيخ ناصر المحمد الصباح وأعضاء الحكومة، وكذلك في اذهان المواطنين. واذا كان الشيخ صباح يعرف تماما ان الهدف الابعد من مسلسل الاستجوابات المصطنعة هو تعطيل السلطة التنفيذية وصولا الى ضرب روح الديموقراطية، فإن رئيس الحكومة، عندما رفع امس اللاءات الثلاث، اي لا لتأجيل الاستجواب ولا للاستقالة ولا لرفض التعاون مع البرلمان، فانه تعمّد احترام العرف الديموقراطي ورسّخ النظام.
في المقابل بات الكويتيون في معظمهم يعرفون ان ما يجري، ولو بمسوغات تتيحها الديموقراطية للمعارضة، انما هو في الواقع والممارسة طعن بالسكاكين في صدر الديموقراطية والنظام لأن المطلوب شيء آخر تماما، وان كل ما جرى في الاعوام الاخيرة إنما هو محاولة قتل الديموقراطية بما تتيحه الديموقراطية للبعض من حبال لشنق النظام.

❐ ❐ ❐
واذا كان المسؤولون في الكويت كما بات واضحا تماما في العامين الماضيين، يتمسكون بالديموقراطية ممارسة واستجوابا واصرارا من الشيخ صباح على صون الممارسة الديموقراطية، فلأنهم يعرفون تماما ان الديموقراطية في النهاية مثل البحر، لن تلبث ولو بعد حين، ان تلفظ quot;الحطام السياسيquot; الذي يطفو عند السطح، ومعه الغايات الشعبوية والشخصية وحسابات كسر مزراب العين. ولكن كم مرة يستطيع المرء ان يكسر المزراب ليحظى بانتباه المارة بدلا من سخطهم وما هو اكثر من السخط؟!
ليست هناك اي مصلحة للكويت او للمواطن الكويتي في كل ما يجري تحت اقنعة الديموقراطية التي تخفي وجوه البعض، وقد جعل من مسلسل الاستجوابات المتلاحقة سلاحا لتعطيل الحكومة وشلّ مصالح البلاد والعباد وتأخير عجلة النمو والتقدم، بما يخلق حلقة مفرغة:
نمنع الحكومة من العمل ونعطل وظائف الدولة، ثم نصيح في الناس ماذا فعلت الدولة؟ ولماذا تقصّر الحكومة؟
حلقة شريرة مفرغة تماما كتلك التي يعرفها لبنان منذ اعوام تحت عنوان الديموقراطية التوافقية، وهي بدعة للتعطيل، لان التوافق في بلد منقسم مستحيل، ولانه مستحيل، تصبح ديموقراطيته معطلة تماما!
في برلمانات العالم وحكوماتها يتعارك النواب ويتضاربون. لكن ذلك في اطار التنافس على تحسين اداء الدولة وتجويد خدمة الناس، وهو امر تجيزه الديموقراطية. في الكويت ولبنان التعطيل سيد الموقف. وفي هذا السياق كان الرهان على ان تشكل التجربة السياسية الكويتية عدوى عافية وتقدم في منطقة الخليج بعدما اعتمدت النظام الديموقراطي البرلماني عام 1962. الآن بعد خمسة اعوام من الازمات المفتعلة والتعطيل الدائم ينظر البعض من اهل الخليج الى الديموقراطية في الكويت ويقول: أوليست هذه فزاعة حقيقية؟
هذا يعني ان الممارسات التي تعطل دورة الحياة المستقرة النامية والمزدهرة، لا تنعكس سلبا على حياة الكويتيين وطموحاتهم بل على آمال جيرانهم الخليجيين التواقين الى الديموقراطية.

❐ ❐ ❐
بعدما تم تفريق تجمع المعارضة في 9 كانون الماضي حيث جرى عراك واصيب نواب بجروح، حاول امير الكويت ان يقطع الطريق على المخطط المرسوم لدفع البلاد الى مزيد من التأزيم، قال:
quot;اذا كان هناك من مسؤول عن تدخل الشرطة فأنا المسؤول الاول، واذا كان من سؤال فليسألونيquot;. واتهم منظمي التجمع المعارض بمخالفة القانون واستفزاز قوى الامن، وان ما حصل بالتالي ليس خطأ رجال الشرطة.
في بلد مثل الكويت كان هذا الكلام كافيا لتجاوز ما جرى. لكن المعارضة اصرّت على استجواب رئيس الحكومة الذي انبرى للرد. ورأى الشيخ صباح ان تأخذ الديموقراطية مجراها، لكن المضحك ndash; المبكي ان المعارضة جاءت الى مجلس الامة قبل الاستجواب وسماع الردود وهي تلوح سلفا بلائحة تدعو الى عدم التعاون مع الشيخ ناصر المحمد في خطوة فظة لمزيد من التأزيم والتعطيل، او ربما تعبيرا عن حسن النية والله أعلم!!
الازمة الكويتية مفتوحة منذ خمسة اعوام. البرلمان حُلّ ثلاث مرات والحكومة استقالت خمس مرات والكويت التي يفترض ان تكون درة الخليج وقاطرته في النمو والتقدم والازدهار تبدو مسبوقة من دول وإمارات لم تعرف الاستقلال الا قبل اعوام.
انه العجب طبعا. لكن لا يكفي ان يستمع الكويتيون الآن الى رئيس مجلس الامة يصرخ: quot;... علينا ان نتّقي الله في الكويت، فبلدنا لا يتحمّل، وعلينا تحاشي الفتن والايمان بالديموقراطيةquot;، بل عليهم ان يتصدوا ديموقراطيا لمحاولات اعاقة حياتهم وبلدهم وتخريب نظامه واستقراره.