علي حماده

في الأساس قامت quot;ثورة الارزquot; لمقاومة الوصاية عندما بلغت المواجهة معها الذروة مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري احد آباء المعارضة الاستقلالية التي كانت تعمل بالوسائل السلمية والسياسية على محاولة quot;عقلنةquot; الوصاية لحملها على تخفيف قبضتها على الوطن بطرح تسوية معقولة تقضي بأن تنسحب من تفاصيل الشأن اللبناني وتترك اللبنانيين يتدبرون شؤونهم في مقابل التزام لبناني بإحترام حاجات الامن القومي السوري المشروعة من الناحية النظرية. ولكن الوصاية رفضت التسوية وآثرت المضي في المواجهة المباشرة مع التيار الاستقلالي الذي مثله في تلك المرحلة الثلاثي الحريري - صفير - جنبلاط، و انتهت الامور بمحاولة شطب الحراك الاستقلالي اللبناني من خلال قتل ركن أساسي هو رفيق الحريري. فقامت quot;ثورة الارزquot; وانتهت المسألة بإنهيار الوصاية و انسحاب الجيش السوري من لبنان في ظروف كان يمكن تجنبها لولا رفض الوصاية أي تسوية معقولة ومنطقية مع حراك عكس المزاج الاكبر للمجتمع اللبناني الذي كان قد ضاق ذرعاً بالوجود السوري لأكثر من ثلاثة عقود.
اليوم وبعد مرور خمس سنوات على quot;ثورة الارزquot;، و بعد المخاض الطويل الذي مر به لبنان وحرب الاغتيالات المنظمة والغزوات المتكررة التي تعرضت لها الحركة الاستقلالية وجمهورها العريض، وصلنا الى مرحلة وجبت فيها التسوية لاسباب عدة منها التحولات العربية، والمتغيرات الدولية، واستعداد الفريق اللااستقلالي لحرق البلاد وتدميرها فوق رؤوس الجميع، في مقابل حرص التيار الاستقلالي على الحفاظ على البلاد، وتجنيب الناس مزيدا من القتل والقمع والتهديد والتهويل والتخريب المنظم للاقتصاد، ولكن التسوية التي فرضت نفسها بعد غزوات 7 ايار 2008 ما غيّرت في جوهر الأمر: إن الخلافات اعمق من ان تدفن او ان يتم القفز فوقها بقوة السلاح، او بقوة المصالحات العربية التي عالجت أموراً وتركت اموراً اخرى جوهرية من دون حلول، مثل الحالة الميليشيوية التي تستمد قسطاً كبيراً من قوتها من الدعم الخارجي.
ربح الاستقلاليون الانتخابات النيابية الاخيرة في حزيران 2009، ثم خسروها بالنقاط في مطلع آب 2009 مع انسحاب النائب وليد جنبلاط من التيار الاستقلالي سياسياً، من دون ان يغادره او بيئته تماما. فالعلاقة مع الدويلة غير مستقرة ولن تستقر في اي وقت قريب ما دامت الدويلة دويلة، وما دامت تمتلك سلاحاً لا يوافق عليه معظم اللبنانيين، وما دام السلاح استخدم ويستخدم كل يوم في لعبة التوازن السياسي الداخلي، فيؤثر فيها سلبا مانعا قيام الدولة. وشكلت عملية تأليف الحكومة اختباراً اضطرت فيه القوى الاستقلالية الى ان تتراجع عن حقها في ممارسة اكثريتها، وتشكلت حكومة سميت quot;حكومة وحدة وطنية quot; في حين انها حكومة تحمل كل تناقضات الواقع اللبناني، تبقى في جانب كبير رهينة الحالة الشاذة التي تمثلها الدويلة، وتدخل الجيران في الشأن اللبناني الداخلي.
لقد حققت quot;ثورة الارزquot; انجازاً اساسياً، بخروج الجيش السوري من لبنان، وتشكيل مشهد وطني اسلامي ndash; مسيحي استقلالي ما استطاعت كل الاستهدافات الامنية و الميليشيوية ان تضعف تجذره في وجدان ملايين اللبنانيين في الوطن وبلدان الانتشار. هذه هي قوة quot;ثورة الارزquot;. إنها حالة شعبية عابرة للطوائف والاحزاب لا يمكن اختصارها بشخص، ولا بحزب. لذلك تستحيل محاصرتها.
اليوم ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والمهم انه موعد لتجديد الانتساب الى quot;ثورة الارزquot; الاقوى حتماً من تحولات موقتة.