راكان حبيب
لو أن الشيخ أحمد بن باز المعيد المتخصص في الفقه قال بحرمانية قيادة المرأة للسيارة، هل كان أحد يلتفت إلى ما قاله؟ بالتأكيد ما كان لكلامه أن يحسب توجهاً جديداً.. بل كان سيدرج ضمن الآراء التقليدية التي تدور في فلك معروف. ولكن لأن رأيه جاء على غير رأي المدرسة التي مثلها والده رحمه الله.. ولأنه خرج منها إلى دائرة غير المألوف، جاء رأيه خاصة حول موضوع الاختلاط خرقاً لـ(تابوه) وملفتاً لانتباه أطياف متنوعة حوله. فأثار عليه جدلاً وخصاماً في أوساط مدرسة يفترض أنه ينتمي إليها فنعته مؤيدوها بخروجه عن جلباب أبيه. المشكلة الآن ليست في جديد ما قاله بل في جديد ما تراجع عنه! فهل هذا يعد تراجعاً لقناعة طارئة أم استجابة لضغط الإرث القديم؟
لا يعد عيباً لو أن الشيخ تراجع عن رأيه، وعلينا الاعتراف به ضمن التعددية. لكن من الصعب تمرير أي تراجع بدون أن نعرف مبرراته. ففي حديثه لـquot;الوطنquot; السبت الماضي (العدد 3424) وافق كلام الشيخ الغامدي أن تحريم الاختلاط ليس له أصل في الشرع وقال quot;أنا أؤيده فيما ذهب إليهquot; لكنه تراجع في اليوم الثاني وقال إنه لم يدعُ إلى الاختلاط ولم يؤيده أبدا. فهل يعقل أن يأتي إنكار هذا الرأي لأن الحوار كان هاتفياً وليس محررا! على عكس هذا التبرير، تبين مقالاته أنه مع خط التأييد فهي تعكس حزمة واحدة يصعب تبنيها في يوم ثم التنصل من بعضها في يوم ثان.
إذا أعدنا ترتيب أفكار ما كتبه في quot;الوطنquot;، نجده عندما يتناول قضية فرعية مثل قيادة المرأة للسيارة، ينطلق من مبدأ عام حيث يراها قضية حقوقية أعطاها إياها الإسلام (3395). وبالتالي يؤدي التسليم بالعام إلى قبول فروعه بهدف تأسيس مرجعية لتصحيح مفاهيم سابقة. في هذا المبدأ، يرى أن الفتوى لا تتغير كونها منسوبة إلى شخص، لكن الذي يتغير الحكم الشرعي وملابسات الحدث. وفي مسائل الخلاف يرى عدم الإنكار quot;ما دام فيها نصوص شرعيةquot; (2905) وهذا السياق نستنتج أنه لا يعارض الاختلاط خاصة أنه اعتبره مثل الحجاب من إشكاليات تعظيم القضايا الخلافية (3424).
إذا رجعنا إلى المبدأ العام نراه يدعونا في جملة واحدة quot;ألا نبقى محكومين باجتهادات سابقةquot; لذلك لو أن الشيخ قد تراجع كما جاء في quot;الوطنquot; الأحد الماضي عن رأيه في مسألة الاختلاط، فإنه يناقض المبدأ العام الذي منهج أفكاره حوله. ولو حدث ذلك فعلاً فبكل تأكيد سوف يؤثر على مسيرته عند المتلقين.












التعليقات