منتصر الزيات

لم يكن أحد من المتابعين لشأن الاخوان المسلمين يتصور أن تحركات الحكومة المصرية وأجهزة الأمن ستكون سريعة بهذه الصورة التي جرت بها لتوجيه ضربة أمنية احتجاجية على نتائج انتخابات مكتب الارشاد ورئيسه الجديد المرشد العام لتلك الحركة العتيدة الدكتور محمد بديع!

المعلومات المتاحة والمتصورة عن عقلية جهاز الأمن المصري تحمل قدرا لا بأس به من التقدير لامكانياته وقدراته التي تسمح له بالتحرك والتغلغل في التجمعات الحزبية والسياسية والدينية الحركية، وهذا القدر من الدهاء كان يفترض التريث في التحرك ضد quot;الصقورquot; انتقاما لإخفاقات quot;الحمائمquot; أو quot;الإصلاحيينquot;!، على الأقل انتظارا لتمرير الحملة التي سعت إلى الايهام بوجود قنوات تفاهم وصفقات بين المجموعة التي نجحت في الانتخابات الداخلية الاخيرة للإخوان، لكن يبدو أن رسائل المرشد الجديد وتحركاته سببت إرباكا للنظام جعلته يغير خطته ويبادر بالهجوم والتصعيد بوجه مكشوف! وكان تأكيد عصام العريان لرسالة المرشد واضحة الدلالة في رغبة الجماعة صنع تفاهمات مع الحكومة المصرية شرارة التحرك ضد الاخوان ما شأن الحكومة وتيار التكفير أو التيار القطبي داخل الاخوان؟!

حاجة غريبة فعلا، فيما طالعناه عبر الصحف انه بين الاتهامات التي وجهتها أجهزة الأمن في مذكرتها التي قدمتها للنيابة العامة للدكتور محمود عزت ومن معه أنهم يقودون تيارا قطبيا تكفيريا داخل الاخوان؟! يعني حكومتنا السنية تريد الاخوان معتدلين وإصلاحيين وتضمن لهم قدرا من التواجد والتحرك طالما حافظوا على هذه المعادلة، وإذا تغيرت يتدخل الأمن وتشتغل نيابة أمن الدولة واحبس واعتقل وقيد حرية تكفيريي الاخوان!

هل يتصور الذين أمروا بحبس عزت والعريان وباقي المجموعة أن أحدا في أوساط الشعب يصدق ما يمكن أن تروجه أجهزة الأمن أن هؤلاء الصفوة من الدعاة والمثقفين والأكاديميين دعاة تكفير وتشدد؟! هل يمكن أن تنطلي هذه الحيلة الساذجة على أحد؟

لست خبيرا بالملف الاخواني وليست لدي دراية الغوص في بحره ودهاليزه، لكن القدر الكافي من المعلومات والمتابعة تكفي للقول بأن تحولات الاخوان منذ خرجوا من سجون ناصر عندما أطلقهم الرئيس الراحل أنور السادات، والتي أدار حركتها واستراتيجيتها الراحل العظيم المرشد العام الثالث عمر التلمساني، قد حصلت على مباركة وإجماع كل صقور الاخوان صقرا صقرا، بل لعلي أزعم أن الاخوان عندما اتخذوا هذا القرار التاريخي بخوض الانتخابات البرلمانية واقتحام الحياة النقابية والتعاطي مع الاحزاب السياسية لم يكن بينهم أو داخل منطقة اتخاذ القرار حمامة واحدة!! طبعا بمفهوم الذين يتحدثون عن الصقور والحمائم داخلها أو بين القطبيين والاصلاحيين!! فعملية استقطاب قيادات الشباب في الجامعات المصرية من داخل الجماعة الاسلامية الطلابية آنذاك باشرها وأدارها ونفذها من تسميهم الحكومة حاليا quot;الصقورquot; ودخول من يطلق عليهم quot;الاصلاحيينquot; داخل كوادر الجماعة وآلياتها ومكاتبها حتى وصلوا إلى مكتب الارشاد تم برضى وموافقة quot;الصقورquot; .

لن نصدق أبدا أن الدكتور محمود عزت يقود تيارا تكفيريا، ولن نصدق أن المرشد العام الجديد تكفيري قطبي، من الممكن أن نختلف معهم وهذا وارد ولعلها سنة الحياة، لكن الاختلاف في الرأي أو الرؤى السياسية والدعوية شيء آخر يختلف عن كيل الاتهامات بهذه الطريقة الساذجة!! فالدكتور محمود عزت شارك في كل مراحل التحولات داخل جماعة الاخوان، والدكتور محمد بديع سجن في قضية النقابيين التي كانت حلقة من حلقات التعاطي الاخواني مع الشأن النقابي والاجتماعي المصري كجزء من كل هو التواصل مع النخب المصرية.

اتصور أن تحركات الأمن المصري يمكن أن تسهم في استقرار الاوضاع داخل جماعة الاخوان، لمواجهة هذا العدوان الأمني الغاشم، فكل مراحل الجماعة تاريخيا تحمل هذا الفهم في التوحد إزاء مواجهة العدوان الامني غير المبرر، وبهذا يمكن أن يفشل المخطط الرامي إلى توجيه رسالة لكوادر الاخوان وقواعدهم، إن اختياركم لهذه التشكيلة سيضر بكم وبجماعتكم!! هذه الرسالة حتما سوف تترك أثرا معاكسا وسوف تسهم بالتأكيد في تضميد جراحات الاخوان ولملمة شملهم والتوحد خلف قيادتهم.

أعتقد أيضاً أن الحملة الأمنية الأخيرة تأتي بالتأكيد في إطار السياسة الرسمية المتبعة ضد الاخوان منذ فترة طويلة، فالحملات الرامية لارهاق الاخوان وتجفيف منابعهم واستنزاف طاقاتهم مستمرة ضد الحمائم والاصلاحيين وقت أن كانوا يتبوأون مكانا متقدما في قيادة الجماعة واستمرت أيضاً بعدهم، لأن سياسة النظام ثابتة إزاء تلك الحركة العتيقة، والتفاهمات أيضاً مستمرة رغم كل الحملات التي نفذتها أذرع النظام الأمنية والتي سوف تنفذها أيضا مستقبلا، فصانع القرار داخل النظام يدرك استحالة قدرته على إقصاء تلك الجماعة التاريخية أو القضاء عليها، ربما كل طموحه يتمثل في تعطيل حركة تقدمها فقط لا غير.

على الاخوان أن يحددوا ملامح منهجهم في الفترة المقبلة، وقدرتهم على تحمل الضربات التي تحمل في طياتها رسالة واضحة من الغريم الاوحد على الساحة السياسية في مصر الحزب الوطني الحاكم بحدود المساحة التي يتعين عليهم عدم تجاوزها هم أيضاً مطالبون بتنقية الاجواء داخليا بما يرأب أي صدع وجمع الشمل، عليهم أن يحددوا خيارات التحرك ما بين السياسي أو الدعوي، أو ما بين الاجتماعي والنفس الطويل أو استمرار المواجهة سياسيا مع الحزب الذي يريد احتكار كل شيء في بلادنا