رندة تقي الدين


إنذار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للعالم بأن بقاء المسار التفاوضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين معطل ومعرقل يحمل في طياته انتفاضة ثالثة ستقع حتماً. ويُشكر الرئيس الفرنسي الذي تضمن كلامه في المؤتمر الصحافي المشترك مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس فيه مواقف ديغولية بالنسبة الى الصراع الإسرائيلي ndash; الفلسطيني. فمنذ أن تولى الرئيس أوباما الرئاسة في الولايات المتحدة يحاول ساركوزي دفعه الى إطلاق مبادرة من أجل السلام وبسرعة قبل فوات الأوان. إلا أن الكلمات والمواقف المعلنة في هذا الصراع المؤلم والمسمم لأوضاع العالم لم تعد تكفي.

قال ساركوزي: شروط السلام معروفة. وكرر ذلك في مؤتمره أول من أمس مع التأكيد على القدس عاصمة الدولتين. وحدد معالم الدولة الفلسطينية القابلة للعيش في حدود 1967. صحيح أن كل الأمور واضح للعالم ولكن حكومات إسرائيل لا تريد السلام. ورئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لا يريد الالتزام بما تم التعهد به، لا بخريطة طريق ولا بما طلبه منه جورج ميتشيل، حتى أن محمود عباس نقل عن المبعوث الأميركي قوله له إن السلطة الفلسطينية التزمت بكل تعهداتها والمشكلة هي في الموقف الإسرائيلي. إلا أن العالم الغربي وعلى رغم المواقف الأوروبية المعلنة والجيدة مثل موقف ساركوزي عاجز لأنه لا يريد فرض عقوبات على إسرائيل بسبب انتهاكها للقرارات الدولية ولأنها لا تحترم أي التزام وتستمر في معاقبة الشعب الفلسطيني بكل ما تقوم به من وضع الحواجز وبناء المستوطنات وتهويد القدس وإبقاء الجدار الأمني وإغلاق المعابر وخنق الشعب الفلسطيني في أرضه. فإلى متى يستمر العالم الغربي بالضغط على الفلسطينيين والعرب ويترك إسرائيل تتصرف من دون عقاب؟

لقد قدم ساركوزي وزعماء الاتحاد الأوروبي كل الدعم المعنوي لمحمود عباس، كما أكد الرئيس الفلسطيني بقوة الى جانب ساركوزي. إلا أن الدعم المعنوي في هذا الصراع لا يكفي طالما بقيت الإدارة الأميركية عاجزة عن مواجهة اللوبي اليهودي الداخلي الذي حوّل خطاب الرئيس أوباما في القاهرة الى قطعة إنشاء بديعة أعطت أملاً للشعب الفلسطيني والعرب، لكن سرعان ما خاب إزاء عجز الإدارة الأميركية عن الضغط على إسرائيل.

قال ساركوزي أول من أمس متحدثاً عن جريمة قتل المسؤول في laquo;حماسraquo; محمود المبحوح في دبي إن الاغتيالات عمل غير مقبول ودانه بشدة كما دان استخدام جوازات بريطانية وإرلندية وجواز فرنسي مزوّر. إلا أنه سبق لإسرائيل أن قامت مراراً بمثل هذه الأعمال ولم يعاقبها أحد. فقد دخلت في منتصف السبعينات فرقة كوماندوس إسرائيلية بقيادة وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك ليلاً الى شارع فردان في بيروت وقتلت قياديين كبيرين في منظمة التحرير الفلسطينية هما كمال ناصر ويوسف عدوان، ثم قامت إسرائيل بتصفية قياديي منظمة التحرير بالأسلوب نفسه في تونس فقضت على كل من أبو أياد وأبو جهاد وأبو الهول، وقتلت ممثل منظمة التحرير في باريس عز الدين قلق وعصام السرطاوي في البرتغال وغسان كنفاني في بيروت وأخيراً عاطف بسيسو في وسط العاصمة الفرنسية. والكل يعرف أن اسرائيل كانت وراء هذه التصفيات ولكن لم يجرؤ أي مسؤول غربي على طلب معاقبتها.

لا شك في أن الشعب الفلسطيني بحاجة الى دعم معنوي ومادي قوي. ولكن الدعم السياسي إذا بقي مجرد إعلان مواقف من دون حض إسرائيل على الالتزام بما ينبغي أن تفعله يعني أن هذه القضية لن تجد حلاً وتبقى إسرائيل مهيمنة في المنطقة وتتضاعف قوات التشدد ويزيد الإرهاب بحجة المواقف الغربية غير المتوازنة.

يقول أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى أنه حان الوقت لكي يستعيد مجلس الأمن دوره في مسيرة السلام. وهذه حقيقة وواقع لا شك فيه، سوى أن القوى العظمى في مجلس الأمن تبقى الضمانة الدائمة لإسرائيل لشل أعماله ودوره في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.