خيرالله خيرالله

في عالم لبناني يسوده اللا منطق، يبدو مرحباً بإدخال بعض المنطق إلى عالم اللا منطق. عالم اللا منطق يفرض على لبنان أعباء ليس في استطاعته تحملها بأي شكل وبأي طريقة. كيف يمكن للبنان على سبيل المثال وليس الحصر تجاهل أن العرب، جميع العرب، وافقوا في العام 2002، في قمة انعقدت في بيروت وليس في مكان آخر، على خطة السلام العربية. هل لبنان مع هذه الخطة أم يريد فتح مقاومة على حسابه وحساب آبائه ومستقبلهم، هل أخذ لبنان تحرير فلسطين على عاتقه، في حين جبهة الجولان ساكتة منذ العام 1974 من القرن الماضي، هل يستطيع لبنان، العضو في مجلس الأمن، أن يكون طرفاً في النزاعات العربية- العربية، أو العربية- الفارسية؟
لنفترض أن الزمن تجاوز قمة بيروت، وأن الظروف المستجدة تفرض اللجوء إلى وسائل أخرى لخوض المواجهة مع إسرائيل. ولنفترض أن المبادرة العربية التي هي في الأصل مبادرة سعودية شبعت موتاً. ماذا عن (القرار 1701) الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في أغسطس من العام 2006، هل لبنان، الذي لابد من التذكير مرة اخرى بأنه عضو في مجلس الأمن، مع (القرار 1701) أم ضده، هل laquo;حزب اللهraquo;، الذي يدعو إلى أن يكون لبنان رأس الحربة في المواجهة مع إسرائيل، مع (القرار 1701) أم يقف ضده، هل يستطيع laquo;حزب اللهraquo; الإتيان بموقف سوري، أو إيراني، أو بموقف سوري - إيراني يعترض على (القرار 1701)؟ عندما يأتي الحزب الذي يدعو إلى تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، أو من النهر إلى البحر، لا فارق، بمثل هذا الموقف، لماذا لا يطرحه على اللبنانيين كي يوافقوا معه على الاستراتيجية التي يطرحها، أو على الأصح، على الاستراتيجية التي يريد فرضها على الأكثرية في لبنان. انها أكثرية من كل الطوائف والمذاهب والمناطق. انها الأكثرية التي صوتت ضد سلاح laquo;حزب اللهraquo; في يونيو من العام 2009 واعتبرت هذا السلاح ميليشيوياً ومذهبياً وأداة إيرانية ليس إلاّ.
في ضوء ما يطرحه الأمين العام لـ laquo;حزب اللهraquo; السيد حسن نصرالله على اللبنانيين، يفترض في لبنان أن يعلن صراحة أنه ليس سوى تابع للمحور الإيراني- السوري ينفّذ سياسة هذا المحور من دون سؤال أو جواب، علماً أن لكل من إيران وسورية حسابات خاصة بها. انها حسابات تصب في النهاية في حماية المصالح الإيرانية والمصالح السورية. هذه المصالح لا علاقة لها بلبنان من قريب أو بعيد. لو كانت لإيران أي اهتمامات بمصالح لبنان، لكانت فكرت في كيفية منع ميليشيا laquo;حزب اللهraquo; من اجتياح بيروت والجبل في مايو من العام 2008، ولكانت فكرت في الوقت ذاته في النتائج التي يمكن أن تترتب على laquo;غزوةraquo; بيروت والجبل على صعيد إثارة الغرائز المذهبية، خصوصاً بين السنة والشيعة، وذلك بما يتجاوز حدود لبنان.
ولو كانت لسورية أي مصلحة في الاستقرار في لبنان، لما كانت دعمت كل ما يمكن أن يسيء إلى الوطن الصغير، بدءاً بالسلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وانتهاء باستمرار تدفق السلاح على laquo;حزب اللهraquo;، مروراً برفض ترسيم الحدود بين البلدين انطلاقاً من الجنوب، ومن مزارع شبعا بالذات، هل النظام السوري مهتم بعودة مزارع شبعا إلى لبنان، أم همه الحقيقي محصور بأن تكون المزارع ورقة في يدها وفي يد أدواتها اللبنانية تستخدم في لعبة الابتزاز المستمرة للبنان؟ وبكلام أوضح هل من وظيفة أخرى لورقة مزارع شبعا غير تبرير الاحتلال الإسرائيلي لها، وايجاد غطاء لسلاح laquo;حزب اللهraquo;؟
لعل أهمية المؤتمر الصحافي الذي عقده الإثنين الماضي الدكتور سمير جعجع رئيس الهيئة التنفيذية في laquo;القوات اللبنانيةraquo; تكمن في أنه سمى الأشياء بأسمائها. كل ما أراد جعجع قوله ان ليس بين اللبنانيين من يعتبر كلام حسن نصرالله منزلاً، وأن التهديد لا ينفع مع اللبنانيين. انها محاولة لادخال بعض المنطق إلى عالم اللا منطق. هل لبنان دولة، هل هناك مؤسسات لبنانية... أم لبنان laquo;ساحةraquo;؟
كان مهماً أن يرد جعجع على كل كلمة وردت في خطاب الأمين العام لـ laquo;حزب اللهraquo;. المطلوب اليوم قبل غد أن يثبت اللبنانيون أن المقاومة مستمرة، وأن المقاومة الحقيقية تعني مقاومة كل من يسعى إلى استخدام لبنان في لعبة لا هدف لها سوى جعله ورقة في صفقة سورية أو ايرانية مع أميركا أو مع اسرائيل... أو مع الاثنتين معاً على حساب كل ما هو عربي في الشرق الأوسط.
إذا كانت سورية تريد أن تقاوم لماذا لا تفتح جبهة الجولان، وإذا كانت إيران تريد إزالة اسرائيل من الوجود لماذا لا تضحي بإيراني واحد من أجل تحقيق هدفها، ولماذا تعتبر الفلسطيني واللبناني وقوداً لمعاركها التي تصب في إحراج العرب عن طريق المزايدة عليهم ولا شيء غير ذلك؟
لبنان لا يزال يقاوم. انه يقاوم أولاً من يسعى الى فرض امر واقع يتمثل في تكريسه laquo;ساحةraquo;. المقاومة مستمرة منذ العام 1969تاريخ فرض اتفاق القاهرة عليه. بطل المقاومة كان وقتذاك العميد ريمون اده، رحمه الله. قادة المقاومة في العام 2010 هم سعد الحريري، وأمين الجميل، وفؤاد السنيورة، وسمير جعجع، وكارلوس اده، ودوري شمعون، الذي رفض أن يدنّس ميشال عون قبر والده وشقيقه في دير القمر. قادة المقاومة، كانوا منذ البداية، الشهداء رفيق الحريري، وباسل فليحان ورفاقهما... وسمير قصير، وجورج حاوي، وجبران تويني، وبيار أمين الجميل، ووليد عيدو، وفرنسوا الحاج، وسامر عيد، وسامر حنا. قادة المقاومة الشهداء الأحياء من مروان حماده، إلى مي شدياق، مروراً بالياس المر، وسمير شحاده. قادة المقاومة أبطال الجيش الوطني الذين سقطوا في نهر البارد دفاعاً عن السيادة والعيش المشترك... في مواجهة التطرف!
نعم لبنان ما زال يقاوم. كلام سمير جعجع كان فعل مقاومة، كان دليلاً على أن المنطق لا يمكن إلا أن ينتصر على اللا منطق، وأن ثقافة الحياة لا يمكن إلا أن تنتصر على ثقافة الموت أكان ذلك في لبنان، أو سورية، أو إيران نفسها.