احمد عياش

الحدث الانتخابي العراقي الذي يحتل اليوم العناوين في المنطقة، له مقاربة خاصة في لبنان من اوجه عدة ليست الديموقراطية سوى احدها، انطلاقاً من خصائص مشتركة باستثناء النفط الذي يجعل العراق في قلب الصراع على المنطقة، في حين ان لبنان هو ايضاً وسط هذا الصراع بسبب تداعيات الاهمية الاستراتيجية للمنطقة وثرواتها.
في العراق اليوم امتحان كبير ستكون لنتائجه تأثيرات عميقة في مجرى استعادة هذا البلد المهم في المنطقة استقلاله وسيادته وحريته وحكم نفسه بنفسه. وهو يشبه يوم 7 حزيران 2009 في لبنان عندما شهدت هذه البلاد انتخابات مصيرية قررت نتائجها المستقبل الذي تتوالى فصوله منذ ذلك التاريخ. وليس مبالغة القول على الاطلاق ان انتصاراً لو حققته قوى 8 آذار بفارق صوت واحد في ذلك اليوم لكان سيجعل بيروت مكان قمة دمشق الأخيرة التي جمعت الرئيسين الايراني والسوري والامين العام لـquot;حزب اللهquot;.
انها الديموقراطية التي تسيل لها الدماء اليوم في العراق فتختلط بحبر الاقتراع. لكنها تبقى أقل كلفة بكثير من ديكتاتورية كتبت فرماناتها بحبر ملايين الابرياء على مدى تاريخ العراق المظلم وكما هو الحال اليوم في معظم هذه المنطقة التي يحكمها الصمت المدوّي.
أياً تكن النتائج غداً سيخرج العراق منتصراً. والقرارات الآتية ستكون ممهورة بتأييد ملايين الاحرار. مثلما هو الحال في لبنان، حيث القرارات المصيرية التي ستحدد مستقبله ستكون من صنع أحراره الذين قرروا الاتجاه في 14 آذار 2005.
انها الديموقراطية التي ستحدد مصير طاولة الحوار التي سيتحلّق حولها عشرون سياسياً في قصر بعبدا. فالقرارات اذا ما اتخذها المتحاورون سيكون محكها الديموقراطية. واذا لم يتمكنوا من اتخاذ القرارات فستكون الديموقراطية هي المرتجى. وواهم كل الوهم من يظن ان قرقعة السلاح ستعلو كل صوت. انه وهم من زمن صدام حسين اذا كانت الذكرى تنفع.
يبقى التذكير بأن الطاولة، وهي في المعاجم مفردة لم يكن لها وجود في الانكليزية قبل القرن الثاني عشر، كما انها، وبحسب مقال كتب في quot;النيويورك تايمسquot; في 28 ايار 1882، كلمة نادرة في التاريخ القديم لكن ملامحها كانت شهيرة في زمن الرومان، وهي قطعة من الاثاث لتناول الطعام عليها. (من منا لا يعلم بأمر العشاء السري للسيد المسيح وتلامذته من حوله الى المائدة)؟ تصبح الطاولة مساحة للحوار في بعبدا، لكن الاجدى تذكير المتحاورين بأن الاستراتيجية الاهم في حياة الشعوب هي التي تطعمهم من جوع وتأمنهم من خوف.
قد تكون الاستراتيجية الدفاعية التي اعتمدها quot;حزب اللهquot; ويعتمدها حتى اليوم توفر آلاف الرواتب لشبان يتمتعون بالشجاعة الكاملة التي برهنوها في المواجهات مع اسرائيل، لكن كلفتها عام 2006 كانت تدفيع لبنان آلاف الضحايا ومليارات الدولارات من الخسائر وتهجير من استطاع من شباب لبنان الى ديار الله الواسعة.
وفي المقابل، فان الاستراتيجية التي اعتمدها ولا يزال بناة الدولة أثمرت استعادة لهيبة الدولة مع نجاح يسجل للابطال الذين خاضوا حرب نهر البارد وللادمغة التي كشفت شبكات التجسس لاسرائيل. لكن في المقابل هناك كلفة عالية لهذا البناء الذي لم يصل بعد الى حد الاتكال عليه ليكون المرجع الوحيد للسلطة في لبنان.
بين هاتين الاستراتيجيتين هناك مئات الالاف من السواعد والعقول التي لا تجد لها مكاناً في لبنان. ببساطة المطلوب من حكماء طاولة بعبدا quot;خبطة قلمquot; لا quot;خبطة قدمquot; كي يبقى اللبنانيون في لبنان.