سامي ناصر خليفة

رغم اتفاق الحكومة والمجلس على الخطة الاستراتيجية التنموية الجديدة وإقرار برنامج الدولة للمرة الأولى منذ عشرات الأعوام، إلا أن الصورة مازالت غامضة جداً في البلاد إلى درجة أن كل الحديث يدور اليوم عن آلية وكيفية وماهية التطبيق. ورغم الانفتاح الاجتماعي والحرية الإعلامية التي يتمتع بها المجتمع الكويتي إلا أن طبيعة التعاطي بين فئات المجتمع مع القضايا ذات الشأن العام جعلت البعض يتمنى لو لم تكن لدينا حرية وديموقراطية أصلاً. ورغم أن لدينا مجلساً يمثل الشعب الكويتي في سلطة القرار ويعزز مفهوم المشاركة الشعبية في الحكم إلا أن طبيعة العلاقة بين الحكومة والمجلس وأسلوب أداء السلطتين تحت قبة عبدالله السالم يثيران الاستغراب وكأنهما ترجمة لثارات قديمة حديثة بينهما. وعلى الرغم من وجود دستور يعزز قوانينه مبدأ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص، إلا أن الحال والواقع يبدو متناقضاً جداً مع ذلك حيث الاصطفاف القبلي والطائفي والعائلي والطبقي والفئوي هو من يحكم الوضع الحالي.
وأمام تلك الرغميات في المقدمة أحسب أن هناك عاملا مشتركا في كل ما سبق يمثل السبب الأهم في تأصيلها، وهو قد تركيبة الشخصية الكويتية التي تتحمل وزر كل ما يجري اليوم في الساحة السياسية والاجتماعية، تلك الشخصية التي تعاني حالة من الاضطراب في جانب والانفصام في جانب آخر يجعلها تتحدث عن الولاء للوطن بمفهوم الحب والطاعة والتضحية في وقت هي من ينتهك القانون جهاراً نهاراً، شخصية تتحدث عن أهمية التعايش وتعزيز مبدأ السلم الأهلي وهي أول من يصطف قبلياً أو طائفياً أو فئوياً مع أتفه أمر يحدث في الساحة ليسقط في الاختبار الوطني.
شخصية غريبة تعاني الجلافة في الطرح، والأنانية المفرطة في التعاطي مع الشأن العام، ولا تبالي بظلم ذوي القربي مادامت هي بخير، وأكبر دليل على ذلك الأوضاع المزرية التي يعيشها مئات الآلاف من الوافدين في البلاد حيث يتعرضون للإهانات وسوء التعامل من جانب، والظلم الذي يتعرض إليه عشرات الآلاف من فئة المواطنين بلا هوية laquo;البدونraquo; حيث حرموا من أبسط حقوقهم المدنية التي كفلها الله سبحانه وتعالى لكل إنسان يولد ويعيش على الأرض من جانب آخر.
شخصية إذا لبست ثوب التديّن تكفّر البعض المخالف وتخرجهم من ملّة الإسلام وتقسم الآخرين إلى قريب وبعيد وتنظر بفئوية وتتحدث بلغة غريبة لا مكان فيها لخلق نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم وتلك طامة، وإذا لبست ثوب الانفتاح والليبرالية فتدفع المجتمع إلى هاوية التحلل الأخلاقي والانسلاخ من الهوية الإسلامية، بل أكثر من ذلك حين تتحدث عن دولة لا دينية تريد اجتثاث الدين من منهج الحياة وتلك طامة أخرى.
نعم... المشكلة في الكويت ليست في عدم وجود برامج تنموية، أو ميزانيات مالية، أو عقول مبدعة، أو استقرار سياسي، أو اقتصادي، بل المشكلة في بعض الصفات غير الحميدة التي طغت على شخصية شريحة كبيرة من الكويتيين فجعلتهم ينظرون بجشع غير مسبوق وطمع مفرط إلى خيرات البلاد، وكل همهم أن يستفيدوا من مواقعهم ليستفردوا بلقمة أكبر على حساب أمن واستقرار وطمأنينة البقية. فبعض النواب همهم ابتزاز الحكومة للكسب الرخيص، وبعض كبار الموظفين همهم تحويل المؤسسات التي يشرفون عليها إلى ترعات خاصة وأوكار بأحزابهم، أو قبائلهم، أو عوائلهم، أو طوائفهم، وأكثر من ذلك.
لذا نقول على الكويت السلام، وإذا ما أرادت الحكومة فعلا أن تحقق التنمية، وتجعل الكويت في مصاف الدول المتقدمة فعليها أن تبدأ أولاً بالإنسان المواطن، والجهاد الأول والتحدي الأكبر اليوم في نظري هو في الكيفية التي يمكن أن تغيّر فسيولوجية الشخصية الكويتية للتنطلق منها إلى التطوير وتحقيق التقدم والازدهار! إنها معادلة كونية ولغة ربانية منطقها laquo;لن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهمraquo;، ولا يمكن أن يأتي التغيير ما لم نبدأ بتغيير ذواتنا تجاه بعضنا البعض أولاً، وثم اتجاه المحيط الآخر.