غازي العريضي

هل ثمة أزمة بين إدارة الرئيس أوباما ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو؟

يبدو أن الإجابة نعم... ظاهر الأمور يؤكد ذلك كما التصريحات المتبادلة والتعليقات على التصرفات الإسرائيلية، التي أحرجت نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، أثناء زيارته الأخيرة إلى إسرائيل، والتي وصفها كثيرون بأنها إهانة كبيرة للإدارة الأميركية.
ولكن، إلى أين ستصل هذه الأزمة؟ من سيستفيد منها؟ كيف ستتعامل معها الإدارة الأميركية؟ ما هي انعكاساتها على الأرض الفلسطينية، وأصداؤها على الواقع العربي؟

أولاً ليست المرة الأولى التي يطلق فيها نتنياهو مواقف تبدو مجنونة ومتهورة. ألم يهدد عندما كان رئيساً للحكومة في المرة الأولى بإحراق واشنطن، إنْ هي ضاعفت ضغوطها عليه للسير قدماً في المفاوضات مع الفلسطينيين بعد أن قطعت شوطاً كبيراً، لإعطاء عملية السلام دفعاً إضافياً آنذاك لتشمل المسارين اللبناني والسوري؟

نعم هذا الرجل يتميز بعنجهية وغرور وعناد، ولكن تبين أنه يعرف كيف يستخدم هذه الصفات. أهان بايدن؟ صحيح. ولكن لماذا؟ لأن quot;بايدنquot; أهان نفسه. كأنه لا يعرف مع من يتعاطى. وتجاهل طبيعة الرجل وحساباته في الوقت ذاته. وهو يعرف في المقابل أنه لا يستطيع أن يذهب بعيداً في مواجهة الإسرائيليين.

وربما أن نائب الرئيس الأميركي اكتفى بكلام منمق من رئيس الوزراء الإسرائيلي، ليبلع quot;الصفعةquot; وquot;الإهانةquot;، التي عرّض نفسه لهما.

لا شك أن الابتعاد عن الحق هو الإهانة، والتمسك بالحق هو القوة الأخلاقية والسياسية. لكن، عندما يقول quot;بايدنquot;، في لحظة سياسية صعبة في المنطقة وفي الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في ظل الإرهاب المستمر من قبل الآخيرين، وتهديد المقدسات بالتهويد والبشر بالاقتلاع من الجذور والتهجير، مما فتح الوضع على مرحلة صعبة من المواجهات والعنف، عندما يقول quot;بايدنquot; إذاً أمام الإسرائيليين والعالم في بداية زيارته:quot;التقدم في مفاوضات السلام يحصل عندما يدرك الجميع أن لا مسافة بين أميركا وإسرائيل عندما يتعلق الأمر بأمن إسرائيلquot;. وأن quot;دعم أميركا مطلق ودائم وثابت لأمن إسرائيلquot;. ولا يشير بكلمة إلى حقوق الفلسطينيين وأمنهم فماذا ينتظر؟ هل ينتظر رأفة من نتنياهو تجاه هؤلاء المساكين المظلومين! أم أن هذا الإرهابي سيشعر بالإطمئنان، ويندفع أكثر في هجومه ضدهم؟ لا سيما وأن نتنياهو وقف أمام بايدن، وقال مضيفاً على كلام الأخير وغير مكتفٍ به: quot;إن التقدم في المفاوضات يحصل عندما يعترف الفلسطينيون بيهودية الدولةquot;.

وهذا يعني ما قلناه في أكثر من مناسبة إن الفلسطينيين أمام خطر إسقاط حقين لهم: حق البقاء على أرضهم لمن هم في الداخل، والذين سيتعرضون للتهجير وحق العودة إلى أرضهم لمن هم في الخارج. وسيواجهون خطر التوطين والتهجير المتنقل من دولة إلى أخرى!

ولذلك لم يكن مستغرباً أبداً الموقف الإسرائيلي الذي أعلن بناء 1600شقة سكنية في القدس أثناء وجود quot;بايدنquot; هناك، وبعد أن كان الأميركيون قد سعوا إلى العودة إلى مفاوضات غير مباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين وحصل الفلسطينيون على تغطية عربية لذلك من خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي انعقد مؤخراً في القاهرة.

حكومة نتنياهو أدارت ظهرها لأميركا وللموقف العربي، وبالتأكيد للفلسطينيين وإعلانهم الموافقة على العودة إلى التفاوض المباشر رغم عدم قبول إسرائيل بتجميد الاستيطان، الذي كان طرحاً أميركياً في البداية وتحول شرطاً فلسطينياً بدعم أميركي لاحقاً، ثم تم التراجع عن كل شيء لكن إسرائيل لم تتراجع عن شيء بل تقدّمت أكثر في مشروعها الصهيوني الاستيطاني التوسعي، وعلى وقع كلام آخر لـquot;بايدنquot; قال فيه: quot;تعلمت من والدي أنني لست بحاجة لأكون يهودياً كي أكون صهيونياًquot;!

إسرائيل تبتز الإدارات الأميركية دائماً. وهذا ما فعلته وتفعله مع إدارة أوباما التي تراجعت نسبة تأييدها في الداخل وفقدت بريقها. والكثير من نقاط الرهان عليها وخسرت الكثير من صدقيتها، وانعكس ذلك بوضوح في عدد من الولايات، وهي اليوم منشغلة بالتحضير لانتخابات الكونجرس، وتحتاج إلى اللوبي اليهودي هناك، وبالتالي إلى الحكومة الإسرائيلية ونتنياهو تحديداً، وهو صاحب تأثير كبير هنا. مما يعني أن هذه الإدارة بدأت تعطي الانتخابات أهمية تتقدم على عملية السلام، التي تتلاعب بها حكومة نتنياهو، لأن الأهمية والأولوية بالنسبة إليها، هي التوسع والاستيطان وتحقيق المزيد من الخطوات الإرهابية ضد الفلسطينيين.

وإسرائيل تبتز تاريخياً الفلسطينيين، لكنها تستفيد اليوم من خلافاتهم وانقساماتهم وعدم وجود الحد الأدنى من التضامن بينهم والرؤيا الموحدة لا في غزة ولا في الضفة وبين غزة والضفة... وهذا أحد أبرز عناصر القوة في الموقف الإسرائيلي.

كذلك إسرائيل تبتز العرب، واليوم تحرجهم قبل انعقاد القمة العربية، ومع كل ما تفعله ضد الفلسطينيين في المسجد الأقصى، وفي الأراضي المحتلة التي تتعرض للمصادرة، وفي إسقاط كل المبادرات العربية.

ويبدو العرب غير قادرين على التأثير لأنهم لا يملكون الحد الأدنى من التضامن أيضاً، وهذا يظهرهم عاجزين عن المواجهة...

لإنقاذ ما تبقى نقطة البداية هي: تفاهم الضرورة والحد الأدنى بين الفلسطينيين، ومواكبة عربية له لحمايته وحماية المصالح العربية المهددة كلها في حال استمرار الوضع على ما هو عليه، والاستفادة من أوراق كثيرة في المنطقة وأوروبا والعالم في مواقع ترصد بدقة حركة التراجع الأميركي، وتحاول تعزيز مصالحها، والغائب الأكبر هنا هم العرب وهذا أمر مقلق.