سركيس نعوم

لا يمكن إلا الاعتراف في معرض الجواب عن سؤال: ما هي القوى الخارجية المؤثرة فعلاً في العراق والقادرة على الاضطلاع بدور مهم في تأليف حكومة جديدة بعد الانتخابات التشريعية الاخيرة؟ - لا يمكن إلا الاعتراف بأن اميركا وخصوصاً بسبب وجودها العسكري الكبير في العراق هي واحدة من هذه القوى. لكن لا يمكن إلا الاعتراف ايضاً بأن اميركا هذه لا تستطيع ان تمارس دوراً مباشراً في عملية تأليف الحكومة والتي لم يعد موعدها بعيداً. اولا، لأنها قوة محتلة تريد كل مكوّنات الشعب العراقي التخلص منها وان يكن معظمها يخشى عواقب هذا التخلص وخصوصاً اذا استمر التفاهم الداخلي غائباً. وثانياً، لأنها تستطيع وعبر علاقاتها التحالفية مع عرب الخليج وفي مقدمهم المملكة العربية السعودية المعنية مباشرة بالعراق وعلاقات الامر الواقع والتقاء المصالح التي اقامتها منذ سنوات مع الجمهورية الاسلامية الايرانية وعودة الحوار بينها وبين سوريا - تستطيع ان تدفع في اتجاه منع تحوّل عملية تأليف الحكومة الجديدة ازمة صعبة ذات انعكاسات تهز الاستقرارين الامني والسياسي البالغي الهشاشة. انطلاقاً من ذلك يمكن القول ان هناك قوى خارجية وتحديداً اقليمية ثلاثاً لها نفوذ في العراق وإن على نحو متفاوت وهي لا بد ان تؤثر في الموضوع الحكومي العراقي في شكل او في آخر. القوة الاولى هي ايران الاسلامية التي لها تأثير واسع وكبير في اوساط غالبية الشعب العراقي اي الشيعة رغم توزعها على احزاب وجبهات وتيارات متخاصمة احياناً.
ويعود تأثيرها الى امور عدة تجمع مكوناتها اولها الهم الشيعي وثانيها الهم الوطني وثالثها اشتراكها مع ايران في الانتماء الى دين واحد هو الاسلام بل مذهب واحد هو الشيعة الاثني عشرية. ورابعها اشتراكها مع ايران ايضاً في تاريخ طويل جداً من التعاون والخصام والتحالف والعداء. ولعل مرحلة الراحل صدام حسين هي التي ابرزت اكثر من غيرها quot;المُشتركquot; بين شيعة العراق وايران الشيعية وذلك نظراً الى احتضان الثانية مرجعيات دينية وقيادات سياسية واحزاب تعرضت للظلم والقمع والاضطهاد في العراق ولقيت هناك رعاية ودعماً وتدريباً وتنظيماً. وساهم ذلك في اعادة اكتشاف quot;المُشتركquot; او بالاحرى في احيائه وتثبيته بعد حرب عراقية ndash; ايرانية استمرت قرابة ثمانية اعوام قيل فيها انها عززت او بالأحرى ابرزت عروبة شيعة العراق واعتبر ذلك اشارة الى فشل محتم لايران في العراق بعد انتهاء مرحلة صدام.
ولا يقتصر تأثير ايران الاسلامية على الغالبية الشيعية في العراق فحسب بل يشمل جماعات سنّية ايضاً. لكنه بقي محصوراً في جهات التقت مصالح ايران مع مصالحها فأقامت معها علاقة quot;عملية وتكتيكيةquot; وليس استراتيجية كان هدفها تقوية quot;المقاومةquot; لاميركا وتنويعها وفي الوقت نفسه دفع اميركا الى الانقضاض على quot;الارهاب السنّيquot; الامر الذي يقضي مستقبلاً على خطر اصولي سنّي عراقي كان لا بد ان يهدد ايران الشيعية في صورة دائمة.
والقوة الخارجية الثانية هي المملكة العربية السعودية التي لها تأثير واسع في اوساط العراقيين السنّة. وهي تسعى الى ان تعيد اليهم دوراً عاماً فقدوه بعدما بدأ اخوانهم الشيعة ممارسة quot;غالبيتهمquot;، او على الاقل ان تبقي لهم الأمل من خلال الممارسة او النظام او العرف، او من خلال ذلك كله، في الوصول الى المواقع الاهم داخل الدولة بين فترة واخرى.
اما القوة الثالثة فهي سوريا. ويقتصر دورها على السنّة العراقيين وتحديداً على البعثيين السابقين منهم وبعض رجال القبائل المشتركة بينها وبين العراق. وهؤلاء فاعلون quot;مقاومةquot; و quot;ارهاباًquot; وذلك بحسب من يقدم التوصيف. لكن حجمهم لا يمكِّن راعيهم من ممارسة دور محوري على الاقل في هذه المرحلة. علماً ان الدور المستقبلي لهذا الراعي، اي سوريا، في العراق لا يبدو كبيراً على الصعيد السياسي. اولا، لأنه الآن في تناقض مع دور ايران حليفتها. وثانياً، لأن ايران هذه لا تقبل مشاركة عربية واسعة ومتنوعة لنفوذها في العراق. وثالثاً، لأن اميركا وربما كل القوى الكبرى في العالم لا ترحّب بتقارب استراتيجي بين العراق وسوريا لأنهما يشكلان قلب العالم العربي وقد يشكلان خطراً جدياً على المصالح الاقليمية المتنوعة والمصالح الدولية وفي الوقت نفسه على مصالح اسرائيل حليفة العالم الاوسع رغم كل تناقضاته. اما على الصعيد الاقتصادي وربما على صعيد التعاون الامني فإن احداً لا يمانع في استفادة سوريا من اعادة بناء العراق وفي مساهمتها في استقراره امنياً وفي العمل لدرء اخطاره عنها.
انطلاقاً من ذلك، تتردد رواية في اوساط سياسية واسلامية وعربية، تعتبر الدكتور اياد علاوي رئيس الوزراء السابق قريباً من السعودية، أي بعيداً من ايران، وتقول ان هناك جهوداً تركية سورية سعودية ايرانية ربما بموافقة اميركية للإتفاق على تمكين علاوي من تأليف حكومة جديدة أخرى. لكن متابعي الاوضاع العراقية أنفسهم يستبعدون، من دون ان يؤكدوا علمهم بالجهود المشار اليها، نجاحها لاسباب عدة ابرزها وجود احتمال قوي برفض ايران حكومة برئاسة علاوي. أولاً، لقربه في رأيها من السعودية. وثانياً لعلمانيته. وثالثاً، لابتعاده عنها. ورابعاً، لعدم ثقتها به. وخامساً، لخوفها من تعاونه مع كل اخصامها الخارجيين من عرب وغير عرب. والأمر الارجح في رأي هؤلاء هو مبادرة ايران الى بذل جهود وربما ضغوط لإقناع حليفيها النيابيين كتلة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي وكتلة السيدين عمار الحكيم ومقتدى الصدر بالتعاون في ما بينهما لتأليف حكومة مناسبة لها وللعراق ولغالبيته. ولا يستبعد هؤلاء انضمام الاكراد أي تحالف الطالباني البارزاني الى حكومة كهذه لأن المشكلات بين هذا التحالف والسنة العرب كثيرة وعلى أكثر من موضوع وقضية.
طبعاً، لا يمكن منذ الآن التكهن بأي حصيلة لكل المساعي الخارجية ولا معرفة اذا كانت الحكومة الجديدة ستكون quot;ممثلةquot; لكل قوى الداخل والخارج المتدخل فيه أو لقسم منها. لكن ما يمكن الاشارة اليه ان العراق يمر حالياً بمرحلة دقيقة جداً. فهو واقف على مفترق طريقين. واحدة تأخذه الى الحرب وأخرى الى نوع من السلام. والتردد والانانية داخلياً مع اصرار اميركا على الانسحاب جزئياً بعد أشهر وكاملاً في 2011 يمكن ان يعيد الحرب الأهلية إليه، في حين ان الترفع ووضع المصلحة الوطنية قبل المصالح الفئوية على اهميتها وضرورة مراعاتها قد يضعه على طريق السلام. كما ان انفتاح الدول العربية كلها وايران على العراق الذي يرحب بذلك من دون ان يعكس الانفتاح تدخلاً في شؤونه من شأنه ان يضعه على طريق السلام نفسها.