حازم صاغيّة
يحمل الاقتراع لرئيس الحكومة العراقيّة السابق إياد علاّوي معاني عدّة يصعب، من دونها، افتراض الإقلاع الوطنيّ في بلاد الرافدين.
فداخليّاً، ثمّة شيء من إعادة التنظيم للعشوائيّة السياسيّة والطائفيّة التي استبدّت بالبلد منذ 2003. وما يعنيه هذا من شقّين: من جهة، إعادة إدراج الطائفة السنّيّة في صلب الحياة السياسيّة، بعدما همّشت نفسها كما همّشتها سياسات سيّئة كان laquo;اجتثاث البعثraquo; أردأها. ومن جهة أخرى، إعادة تنظيم الانتصار الشيعيّ ورسم حدوده داخل الأطر التي تتيحها وحدة العراق وتماسكه الوطنيّ.
بلغة أخرى، وما دمنا للأسف نتحدّث عن طوائف الأمر الواقع وبلغتها، لا بدّ من التمسّك بدور كبير للسنّة لا يشبه في شيء دورهم في العهد الصدّامي والعهود التي سبقته. مع ذلك، لا تغيب حقائق أساسيّة في عدادها أن سنّة العراق هم مؤسّسو الدولة ndash; الأمّة العراقيّة بالمعنى الذي يقال فيه إنّ موارنة لبنان هم مؤسّسو الدولة ndash; الأمّة اللبنانيّة. وهذا ما جعلهم طائفة الدولة والإدارة في حدود التراكُب، في منطقتنا، بين الدول والإدارات وبين الطوائف والجماعات الأهليّة. ثمّ إنّ السنّة العرب هم الأقدر على أن يكونوا همزة الوصل بين أطراف الوطن العراقيّ، ليس بسبب موقعهم الجغرافيّ الوسطيّ فحسب، بل أيضاً لأنّهم يشاركون الشيعة اللغة العربيّة وشطراً عريضاً من التكوّن الثقافيّ، فيما يشاطرون الأكراد الصدور عن مذهب دينيّ واحد.
من ناحية أخرى، تحقّق للشيعة المقموعين والمقهورين تاريخيّاً، ما يردّ على هذين القمع والقهر، وما يرسي نصاباً أكثر عدلاً في توزيع السلطة. لكنّ هذا الإنجاز الذي أحرزه لهم الجيش الأميركيّ ما لبث أن بدّده ضعف التقليد السياسيّ والدولتيّ عند أغلب الشيعة، وأغلب العراقيّين، الشيء الذي أتاح للنفوذ الإيرانيّ أن يتسلّل ويوالي توسيع الفجوات التي يتسلّل منها.
وعلاّوي، بين سياسيّي العراق، يبدو الأقدر على تنظيم الانتصار الشيعيّ في موازاة توسيع الدور السنّيّ، خصوصاً أنّه ليس صادراً عن حزب طائفيّ كما هي حال معظم منافسيه.
يضاف إلى ذلك أنّ رئيس الحكومة السابق هو الأقدر، أيضاً، على إحداث انسجامين مطلوبين، واحد مع لون العراق المألوف تقليديّاً في منطقته وجواره، وآخر مع الحقبة الأوباميّة دوليّاً، لجهة اعتماد جرعة أكبر من الانفتاح والسياسة في التعاطي مع شؤون المنطقة. هكذا ينكسر الطابع الانقلابيّ والنافر الذي بدا عليه العراق في السنوات القليلة الماضية، بينما يمهّد سلوك كهذا لمطالبة دول الجوار بمزيد من الإيجابيّة والسخاء المعنويّ في التعامل مع العراق الجديد.
والأسطر أعلاه ليس مرادها أن توحي بأنّ طريق علاّوي، في حال فوزه، ستكون معبّدة بالورد. ذاك أنّ المشاكل التي سوف تنتظره وتنتظر حكومته المفترضة لا تُحصى، بما في ذلك التشكيل الحكوميّ ذاته. كذلك ليس المقصود رسمه بطلاً غير مسبوق في التاريخ العراقيّ، ومخلّصاً منقذاً من كلّ ضلال. فالحال أنّ ما يُقلق في علاّوي رواسب عقليّة قوميّة عربيّة قد تبالغ في قلّة حساسيّتها أو في استرخائها حيال الجوار السوريّ. بيد أنّ العنصر المقلق هذا دواؤه في التحالفات التي سيُضطرّ إلى عقدها، بل دواؤه في السياسة نفسها وفي لعبتها. فالعراق اليوم، على كلّ شوائبه، هو المكان الوحيد الذي تُجرى فيه انتخابات يعجز معها رئيسا الجمهوريّة والحكومة عن إعادة فرز الأصوات. أمّا الذين يتذرّعون بالاحتلال، فما عليهم إلاّ قراءة تاريخ العراق، وتاريخ المنطقة، حيث لم ينشأ برلمان إلاّ في ظلّ احتلال، ولم يُقفَل برلمان إلاّ في ظلّ مناهضة الاحتلال بالغضب الصبيانيّ المهووس.
التعليقات