قينان الغامدي

مع كل إنجاز أمني جديد يحققه الأمن السعودي في ملاحقة والقبض على خلايا تنظيم القاعدة قبل أن تنفذ عملياتها الإجرامية داخل بلادنا أشعر بحجم الجهد وتفوق القدرة التي يتمتع بها هذا الجهاز المتميز الذي يؤكد مرة بعد أخرى أنه مدرك للمهمة التي يتصدى لها ويعرف أن المشوار طويل مع فكر تغلغل حتى أصبح توالد خلاياه غير مأمون بل إنه توالد متوقع طالما ظلت ينابيع التغذية الفكرية متدفقة وأساليب التجنيد مستمرة لكن الذي يبعث على الطمأنينة النسبية أن هذه الخلايا مهما بالغت في التخفي تظل مرصودة بدقة متناهية من قبل جهاز الأمن الذي أصبح يتمتع بخبرة ودراية واسعة في أساليبهم ومراوغاتهم.
نجاح الأمن السعودي في ملاحقة وكشف خلايا هذا التنظيم لم يعد مثار نقاش فهو نجاح مشهود وملموس ولم ولن تكون المجموعات أو الخلايا الثلاث التي كشفها وكشف نواياها في الأيام الماضية آخر نجاحاته فقد أثبت نجاحه سابقا واليوم وسيثبتها غدا وبعد غد، لكن السؤال القديم المتجدد مع كل نجاح أمني يظل قائما حول المقاومة الفكرية التي يجب أن تجتث هذا الفكر من بلادنا، وهو سؤال حائر منذ زمن حيث لا يجد إجابة مقنعة أمام تواضع الجهد الفكري المبذول في هذا الميدان الخطير على واقعنا ومستقبلنا، وكأننا بطريقة أو بأخرى تواطأنا على أن هذه كلها مهمة جهاز الأمن وليست مهمة وطن كامل يتعرض كله للخطر.
لقد كنا وما زلنا نكتفي بالشجب والتنديد مع كل نجاح أمني، ثم نعود إلى حال الدعة التي تتيح للتنظيم استعادة حيويته وتجنيد المزيد من شبابنا مرة أخرى، وهي حيوية سماها الدكتور خالد الدريس المشرف على كرسي الأمير نايف لدراسات الأمن الفكري بجامعة الملك سعود بـ (النمو الصامت) حيث يرى أن التطرف الفكري في حال الكمون والتخفي ndash; كما هو الآن ndash; يزداد ببطء ولكن بأساليب لا تلفت النظر أو تثير الريبة، ومع حرص منظريه على ذلك التخفي إلا أن هناك مؤشرات تدل على ما يفعلون، ولو توفرت استراتيجية وطنية شاملة لمقاومة هذا الفكر لأمكن إغلاق كل المنافذ الخفية والمعلنة لاستمرار تغلغل الفكر المتطرف الذي يعد البيئة الخصبة لتجنيد الشباب في تنظيم القاعدة أو غيره. هناك قناعة عامة بضعف أنشطة مقاومة الفكر المتطرف وضعف تأثيرها، وهناك قناعة تامة بأن النجاح الأمني مهما بلغ من تفوق فإنه لن يتمكن وحده من القضاء على هذا الفكر، ولا أدري كيف يمكن الجمع بين القناعتين بحيث تظلان في خطين متوازيين، بينما المطلوب والحال هذه أن تواكب النجاحات الأمنية نجاحات فكرية فاعلة تسمي الأشياء بأسمائها وتعمل على تصيد ينابيع التطرف الفكري بجرأة ووضوح وتفككها، وتشرح للناس مخاطرها بصورة شاملة تتكرر عبر كل وسائل التواصل الممكنة وهي كثيرة.
إن اكتفاء المقاومة الفكرية ببعض الكتب أو المحاضرات أو المؤتمرات التي تأتي بعموميات لا تمس الواقع ولا تتتبع منابع التطرف ولا تحددها جعل هذه المناشط رغم أهميتها ذات أثر ضعيف، وما لم تتغير آلياتها وأدواتها ومضامينها في إطار استراتيجية شاملة فإنها ستظل كما لو كانت رفع عتب ليس إلا، بينما سنظل نشيد بنجاحات الأمن و يظل الخطر قائما ويتعاظم .