عبد الرحمن الراشد
آخر شخص في العراق له أن يعترض على أداء مفوضية الانتخابات، أو يشكك في نتائج الفرز، هو رئيس الوزراء، الدكتور نوري المالكي، فهو أكثر المرشحين نفوذا وسلطة على معظم مناحي الحياة في الدولة، ولو كان هناك من يستطيع فعلا التأثير على الترشح والانتخاب والفرز، فهو رئيس الوزراء، بما يملك من صلاحيات واسعة، ومؤسسات وأجهزة الدولة. ولا يمكن أن يقارن نفوذه بأي من المرشحين الآخرين، مثل إياد علاوي، الذي لا يملك حق الأمر والنهي حتى في الشارع الذي يسكنه، والأمر مماثل لمعظم بقية المرشحين.
الانتخابات، أقرب ما تكون إلى لعبة كرة القدم، لا بد من منتصر وآخر خاسر، إلا أن بعض الخاسرين يريد أن يلوم الحكم أو المناخ أو الجمهور لتبرير هزيمته.
وعلى الرغم من الصراخ والاحتجاجات، فقد جاءت الانتخابات بنتائج باهرة ومثيرة، وهي نتائج منطقية للتطورات التي عايشها العراقيون. وفي التجارب الانتخابية كلها في العالم، قلما ينتخب الناس الحكومة نفسها مرتين، وليس مستغربا في الحالة العراقية أن يبحث الناس عن فرصة أخرى بعد سنوات أربع صعبة. لاحظوا أن الدكتور المالكي لم يحقق سوى 89 مقعدا، من إجمالي 325 مقعدا، أي نحو 27 في المائة فقط من الإجمالي، وهذا رقم متواضع لا يمكن أن يأتي بسبب التزوير. وحتى المنتصر نفسه، الدكتور إياد علاوي، يشتكي من قلة الأرقام، قائلا إن ممارسات الحكومة ضده بلغت من الشراسة أنها كانت تستخدم صلاحيتها في مناطق مختلفة لدفع الناس حتى لا يصوتوا له، ولولا هذه الأساليب لجمع أكثر من مائة وخمسين مقعدا لا 91 فقط.
لقد انتهت المباراة، وحسمت المفوضية النتيجة، والفائز بأكثرية أصوات الشعب العراقي هو علاوي. وقد عزز انتصاره مفهوما إيجابيا للديمقراطية العراقية، أنها قادرة على تحقيق تداول السلطة، وأن النظام مفتوح للجماعات كلها، مهما كانت ألوانها السياسية.
وعلى الرغم من فوز علاوي بأصوات أغلبية عراقية، فإن النظام البرلماني لا يضمن له رئاسة الحكومة ما لم يجمع النصاب القانوني للأغلبية البرلمانية، النصف زائد واحد، بالتحالف مع أكثر من منافس، وبناء تكتل يستطيع من خلاله تشكيل الحكومة. وحتى الخاسر، المالكي، يملك فرصة موازية في بناء كتلة برلمانية تعيده للحكم.
ومع أن الانتصار مهم، فإن احترام النتيجة بالغ الأهمية لمستقبل العملية السياسية. وما لم يحترم الشركاء النتيجة، ويباركوا للفائز، فإن التجربة العراقية ستظل في حالة احتقان، تنتهي بالفشل الكامل لهم ولمنافسيهم. وكان الأحرى بالمالكي، قبل غيره، أن يعلن احترامه وقبوله ودفاعه عن النتيجة فور إعلانها، ويتقدم الصفوف مهنئا علاوي، حتى يؤسس للأصول الديمقراطية، الذي هو نفسه كان يدعو إليها، وأوصلها إلى المرحلة الحالية. ليس علاوي أو عادل عبد المهدي أو إبراهيم الجعفري، بل المالكي هو المسؤول الأول عن تثبيت التجربة وحمايتها حتى يختتم عهده خاتمة تحفظ له تاريخا مشرفا.
التعليقات