عبدالرحمن محمد السدحان
ما الذي يحرِّض فرداً أو أفراداً أو جماعات في الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب على طرق أبواب الإرهاب والسير في دروبه المظلمة ومضائقه الضالّة، وارتكاب الجرائم باسمه، مستترين تحت رايات من الزيف متعددة التأويل والرؤى والغايات؟!
***
ما الذي يُغري شاباً وديعاً مستور البال والحال على التنكّر لدينه ووطنه وأهله، فيعتنق رؤية متدثرة برداء العنف المزنجر بأحادية إقصائية من الرأي، أولها ضلالٌ، وأوسطها ضياعٌ، وآخرُها تكفيرٌ وتدميرٌ وخراب؟!
***
إن كنتَ قارئ العزيز مثلي ممّن يؤرقه ليلُ الإرهاب الأغبر، فأقرأ كتاب (المؤمن الصادق) الذي صدر هذا العام عن دار العبيكان مترجماً إلى لغة الضاد من قبل معالي الصديق والأديب العملاق الدكتور غازي القصيبي نقلاً عن النسخة الأصلية له بقلم الكاتب الأمريكي إيريك هوفر الصادر في منتصف الخمسينات من القرن الماضي الميلادي بعنوان ( THE TRUE BELIEVER)!
***
لم يتجاوز صيتُ الكتاب القارة الأمريكية منذ أن أُخرج للناس قبل أكثر من نصف قرن، لأن قضية (التطرف) التي تصدّى لها المؤلف لم تكن تعرف إلاّ في إطارها الفلسفي والاجتماعي والتاريخي، ولم يكن الأمريكيون ولا أقرانُهم الأوروبيون، ومن سواهم من شعوب القارات الأخرى، قد دخلوا ساحة الوغَى مواجهةً مع (الإرهاب)، الابن الربيب ل(التطرف)!
***
ولذا، لم يكن غريباً غياب الارتباط بين أطروحة الكتاب وقضية الإرهاب حين لم يستقطب من الاهتمام ما هو أهل له! ثم بادر معالي الدكتور غازي القصيبي مشكوراً، قبل أكثر من عام، إلى ترجمته وبذل في ذلك من الجهد أشقه وأجمله، وكان بحق موفقاً في توقيت مبادرته ومحموداً في تنفيذها، فنقل محتوى ذلك الكتاب القيم إلى قراء العربية نقلاً أدبياً أميناً ورصيناً!
***
من جانب آخر، ألمح معالي الدكتور القصيبي في مقدمته للكتاب إلى الهدف من ترجمته فقال ((.. أقدمت على ترجمة هذا الكتاب إلى العربية برغم أنه صدر في منتصف القرن الميلادي المنصرم، وبرغم أنه لم يحظَ بقدر كبير من الانتشار، إلا أني وجدت فيه جواباً شافياً عن سؤال شغلني منذ أن بدأت ظاهرة الإرهاب تشغل العالم، وهو: laquo;لماذا يصبح الإرهابيُّ إرهابياً؟raquo;)) ص(11).
***
ثم يمضي معاليه قائلاً:
((.. رجعت إلى عدد من المصادر، وبحثت الأمر مع عدد من الخبراء واتضح لي أنه على الرغم من وجود كمّ هائل من المعلومات عن الإرهاب: تنظيماته وقادته وأساليبه وأدبياته وتمويله، إلا أنه لا توجد كتابات تضيء عقل الإرهابي من الداخل، وتتيح لنا فرصة التعرف على هذا العالم العجيب المخيف..)) ص(11)
***
هنا قد يسأل سائلٌ: ما الذي يربط بين همّ الإرهاب المعاصر وأطروحة الكتاب؟ ومرة أخرى أعود إلى مقدمة الدكتور القصيبي حيث يقرر معاليه أن الإرهاب يولد في رحم التطرف، ثم يردف واصفاً أطروحة الكتاب فيقول:
((.. والمعادلة التي يعرضها المؤلف بسيطة ومقنعة في الوقت ذاته، وهي تبدأ بالعقل المحبط، يرى الإنسان المحبط عيباً في كل ما حوله ومن حوله، وينسب كل مشكلاته إلى فساد عالمه، ويتوق إلى التخلص من نفسه المحبطة وصهرها في كيان نقي جديد، وهنا يجيء دور الجماعة الثورية الراديكالية التي تستغل ما ينوء به المحبط من مرارة وكراهية وحقد، فتسمعه ما يشتهي أن يسمع، وتتعاطف مع ظلاماته، وتقوده إلى الكيان الجديد الذي طالما حنّ إلى الانصهار فيه، من هذا اللقاء الحاسم بين عقلية الفرد المحبط الضائع وبين عقلية القائد الإجرامي المنظم ينشأ التطرف، ومن التطرف ينبت الإرهاب.))! ص.(11)
***
وبعد،
فإن كتاب (المؤمن الصادق) في (نسخته العربية) مصدر ثمين للباحث في شأن الإرهاب جذوراً ونشأة وانتشاراً، ولن أسرف في الحديث عنه خشية أن أفسد على القارئ الكريم متعة قراءته، وأختم هذه المداخلة بوقفتين:
الأولى: لم يكن مؤلف الكتاب، إيريك هوفر، أستاذاً جامعياً ولا فيلسوفاً أو مثقفاً ذائع الصيت داخل بلاده أو خارجها، وإنما كان عاملاً بسيطاً يكسب خبز يومه عبر العمل المضي في أرصفة تحميل السفن وتفريغها بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية خلال الأربعينيات من القرن الماضي، وكان يشغل فراغه ويستثمر قدراته في قراءة وكتابة بحوث فلسفية وكان كتابه (THE TRUE BELIEVER) أول إصداراته وأبرزَها!
***
الثانية: قرأت النص الإنجليزي للكتاب أول مرة منذ نحو أربعين عاماً حين كنت طالباً في السنة الثالثة من الدراسة الجامعية في أمريكا، وكان مقرراً ضمن مادة (القيم الإنسانية)، وشدني موضوعه منذ ذلك الحين ذهناً وروحاً.
التعليقات