جهاد الزين

لا يُكتب التاريخ، الصغير او الكبير، خلال الصراع السياسي، لان هذا الصراع يصنع التاريخ ولا يكتبه. ولهذا فإن الاستخدامات quot;التأريخيةquot; التي يلجأ إليها quot;المتصارعونquot; لا يمكن الركون إليها كـquot;كتابةquot; للتاريخ سيخطها لاحقاً مؤرخون لا سياسيون.
هذا لا يمنع من ان نلجأ في الصحافة، quot;مؤرخة الحاضرquot;، الى بعض المقارنات:
اخيراً عاد وليد جنبلاط الى دمشق من اعلى ابوابها مع استقبال الرئيس بشار الاسد له. هذا الحدث محدود الحجم قياساً على ما يحدث في المنطقة. لكن ليس قليل الاهمية قياساً على تاريخ لبنان المعاصر. صحيح ان وليد جنبلاط من حيث موقعه بين القوى اللبنانية ليس الأكبر، خصوصاً قياساً بالحزبين السني والشيعي بقيادة الحريرية السعودية وquot;الالهيةquot; الايرانية، غير انه لا شك القوة الاولى في سحب سم التوتر المذهبي من الشارع في quot;بيروت الكبرىquot;. وهذا وحده ndash; وحده ndash; يبرر ليس فقط الترحيب بالزيارة، ولكن ايضاً دعم كل الخط العام الذي تمثله للبنان وفاقي... ليس فيه قضية اهم من الوفاق. بل اقول ليس فيه قضية مقدسة سوى قضية منع الحرب الاهلية.
في النصف الثاني من عام 2004 انضم وليد جنبلاط الى مشروع انقلاب فرنسي بقيادة الرئيس جاك شيراك على النفوذ السوري العسكري في لبنان الى جانب حليفه الرئيس رفيق الحريري.
مشروع استفاد من احتقان شعبي بلغ درجة كبيرة وتأمن له الدعم من الادارة الاميركية المستندة يومها الى انتصارها العراقي، ولاحقاً تأمّن له الدعم السعودي.
بهذا المعنى فعل وليد جنبلاط ما فعله الرئيسان كامل الاسعد وصائب سلام قبل حوالى اثنين وعشرين عاماً، عندما انضما الى مشروع الانقلاب الاميركي عام 1982. الفارق اقل دراماتيكية عام 2004 عما كان عليه عام 1982. فعام 1982 كانت الاداة هي الاجتياح الاسرائيلي. بينما عام 2004 كان الضغط السياسي ndash; ولاحقاً الامني مع فتح التحقيق الدولي واعتقال قادة الاجهزة الامنية بتهم الاشتباه باغتيال الرئيس رفيق الحريري ndash; هو الاداة... حتى وقعت حرب 2006 الاسرائيلية.
لماذا نجح الرئيس حافظ الاسد في اقصاء الاسعد وسلام من الحياة السياسية اقصاء كاملاً في حين ان وليد جنبلاط افلت من هذا المصير وحظي اخيراً بالتسامح الرئاسي السوري؟
الجواب سهل لكن ليس بسيطاً.
كانت التطورات السياسية الامنية والاجتماعية في الطائفتين السنية والشيعية قد همشت موقعي سلام والأسعد، في حين ان الزعامة الجنبلاطية الاولى على الدروز بقيت حقيقة ثابتة. وحين لا يتردد زعيم الطائفة في الانتقال الكامل الى موقع اعادة الاعتراف بالسلطة الصاعدة ndash; جرياً على عادة اقلاوية عريقة ndash; فإن هذه السلطة لن تجد ضرراً في اعادة الاستقبال السياسي.
وليد جنبلاط متهم بالتقلّب. في الواقع هذه تهمة سياسية غير دقيقة وكلامياً صحيحة جداً: سياسياً عندما قام ndash; وبرضى quot;الطائفةquot; ndash; بزيارة الرئيس حافظ الاسد عام 1977 استمر تحالفه، بل انخراطه في quot;الفلكquot; السوري اكثر من ربع قرن انقلب عليه في اطار انقلاب دولي اعتقده سارياً في المنطقة وخرج منه مع فشل هذا الانقلاب لبنانياً، بعد مؤشرات فشله العراقية وانسداد آفاقه الفلسطينية.
اما التقلّب الكلامي، فهذه سمة quot;امير ريفيquot; لا يقيم للكلام وزناً دائماً رغم انه امير متنوّر جداً وعصري على المستوى الشخصي. التنوّر هنا يعني انه يعرف ماذا يدور في العالم، لكن لا يعني الالتزام الثقافي. فهذا الالتزام هو شأن quot;المثقفينquot; لا الامراء، حتى لو عبر احياناً عن بعض quot;المبدئيةquot; السياسية التي لا يستطيع quot;زعماء الجماعاتquot; المجازفة بها... دون ان تعني تعريض بقائهم على قيد الحياة السياسية... للخطر، فكيف اذا ارتبط ذلك ndash; وهماً او حقيقة في النظام الطائفي اللبناني ndash; بمصير الجماعة نفسها؟!! لكن هذا موضوع آخر لا يرتبط فقط بالحالة الدرزية بل بكل ما آلت اليه صورة quot;المدرسةquot; المسيطرة على جميع الطائفيات اللبنانية، السنية، الشيعية، المسيحية، انها quot;المدرسةquot; السائدة حالياً، وهي معلم اساسي من معالم تحوّل النظام الطائفي الى quot;دويلاتquot; مغلقة سياسياً.
ليس الآن وقت كتابة التاريخ كما لم يكن وقته بين 2005 و2008.
انه الآن وقت صناعة التاريخ، لكن هذا لا يمنع من التذكير، ربما بما يتعلّق بكتابة التاريخ، ان ولاء وليد جنبلاط لـquot;الفلكquot; السوري عام 1982، متجاوزاً محطة اغتيال والده عام 1977، كان العامل الاساسي في انتصاره السياسي ndash; العسكري في حرب الجبل بين 1982 ndash; 1984. اذن لا شيء quot;مجاناًquot;.
كل هذا وراءنا سياسيا لبلد عليه ان يتعلّم من تجاربه لتعزيز حالة وفاقية راهنة، غير المطمئن فيها انها لا تعبر عن نضج لبناني داخلي بقدر ما تعبّر عن quot;حكمةquot; اقليمية محيطة تفرض علينا.
على الاقل، وفي يوم نهنئ عليه وليد جنبلاط، ولا نتردد في دعم معناه الوفاقي، نطالبه ايضاً ان لا ينسى ضرورة التفكير في الاعتذار ايضاً، من الذين صنّفهم بـquot;المجوسquot; في لحظة quot;تخليquot; كلامي وهدد بـquot;الطلاقquot; معهم!
لا اقصد السيد حسن نصرالله وحزبه ولا حركة quot;املquot;. انما امثال الذين لم يشفع لهم ذات يوم ان احدهم، وهو quot;المجوسيquot; شوقي بزيع كتب في كمال جنبلاط اجمل بيت شعر قيل في آل جنبلاط ربما في كل تاريخهم:
أخالها طلقات الغدر حين هوتْ
تكاد لما رأت عينيك تعتذرُ


bull; bull; bull;

... تعرف شخصياً انني ارحب بكل انواع اعتذاراتك... شرط ان تكون قد استفدت من التجربة لجهة ضبط كلام الهجوم او المديح... في مرحلة عدائك مع الآخرين او في مرحلة التحالف معهم.