إبراهيم غرايبة

يحاول سيد القمني، كما يقول في كتابه quot;أهل الدين والديمقراطيةquot;، رد وتفنيد كثير من المسلّمات القومية الإسلامية، ومناقشة ما يراه الناس حقيقة مطلقة بينما هو الباطل المطلق.
هو في الفكر نقد للثوابت، وهو في السياسة معارضة للسائد، وهو في القيم مع احترام العقل والبحث والتعلم الذي أغلقت أبوابه منذ أكثر من ألف عام.
لماذا تخلف المسلمون؟
الإسلام دين شامل متفاعل مع واقع زمانه ومع الإنسان، صنع للعرب دولة هي السياسة بعينها، وأقام اقتصادا مركزيا للقبائل المتشرذمة، وأنشأ الفنون والثقافة والعلوم، وتحاور مع الأديان والثقافات الأخرى.
ولكن الأزمة في التمسك بغير الصحيح من الدين وإضفاء القدسية على حلول ومواقف قدمها الإسلام في ظرف وزمان محددين بالواقع المحيط بحسبانها حلولا ومواقف صالحة لكل زمان ومكان، برغم أن الزمان غير الزمان والمكان غير المكان. فالتطور الهائل في العالم اليوم بفضل العلم ومكتشفاته قد غادر مكاننا وزماننا إلى مساحات جديدة وفصل جديد من تاريخ الإنسانية، يحتاج عقلا وفهما ومواقف وقرارات وحلولا غير ما كان يحدث في جزيرة العرب عند إنسان بسيط فطري، ومواقف أقل تعقيدا من اليوم بما لا يمكن أن يقارن أصلا بدنيانا شديدة التعقيد.
وقد نشأت للمسلمين بسبب هذا الفهم المغلوط للإسلام مشاكل مستعصية مع الحداثة، تعود في معظمها إلى رفض حق الإنسان أن ينجز، وإنما عليه أن يستقبل الإنجاز جاهزا كاملا متكاملا، كما جاء في دين الإسلام، وهو أمر ربما يعود إلى طبيعة الحياة البدوية البسيطة في الأساس، حيث يعمل البدوي بقدر ما يجلس، وينتظر مطرا تجود به السماء.
بينما الحداثة بشكل عام هي منجز الإنسان وكدّه وعقله وعمل يديه، بل هي رفض ونقد كل منجز جاهز، ومن الطبيعي أن تقوم ثقافة العربي على مرجعية مقدسة جاهزة، لا حل معها ولا اختلاف ولا مخالفة لأنها كمطر السماء ونبات الأرض لا دخل له فيها، فمن الطبيعي إذن أن يتصادم مع الحداثة بكل قيمها.
ولكن الإسلام الذي تقدم بالأمة خلال القرون الأربعة الأولى إلى مواقع حضارية وعلمية متقدمة لا بد أن يكون قادرا على مواصلة التقدم لو أن المسلمين أعادوا النظر في أنفسهم ومناهجهم وطريقة قراءتهم للنص.
فيبدو أن هناك اختلاطا ما في المسألة يؤدي إلى التباسها، هو أن الدين في حد ذاته ليس طرفا في الموضوع، إنما هو خارج اللعبة وبريء من التخلف مثلما هو بريء من التقدم، وأن الإسلام كدين في ذاته لم يكن عنصرا في إنجازات الرازي والفارابي وابن الهيثم، وليس عنصرا في اختفاء العلماء المسلمين. ومع الإسلام نفسه تقدمت دول أخرى في شرقي آسيا أطلق عليها لقب النمور الآسيوية، وبالإسلام نفسه تعيش بقية دول المسلمين في مؤخرة الأمم.
إن المشكلة ليست في الدين ولا في أي دين، لكنها في كيفية استثمار هذا الدين، فهناك من استثمره في التقدم وهناك من يستثمره في التخلف، وهناك من احترم الدين فصانه بعيدا عن الألاعيب السياسية ودسائس المشايخ والسلاطين، وهناك من يستثمره حفاظا على خط فكري نظري واحد ليظل سيد الموقف في كل شأن وكل أمر.
وبهذا الموقف لا تشغله الأمة ولا الناس ولا الدين، بقدر ما تشغله سيادته وسيطرته على العقل المسلم، واستمرار هذه السيادة السلطوية المستمدة في استعباد الناس.
ويبدو أن سبب التخلف هو رجال الدين أنفسهم بتحالفهم الانتهازي عبر التاريخ، ولخطابهم الذي يعود للقرون الوسطى إذا ما قورن بلغة الحداثة اليوم.
ففي الوقت الذي يتحدث فيه العالم عن الفصل بين السلطات يتحدث المشايخ عن الدمج الكامل بين السلطات الدينية والدنيوية في دولة إسلامية. عندما تمر الأمم بمرحلة من الشيخوخة والزهايمر تفقد نظرتها الصحيحة للقضايا وأدوات المعرفة والعلم والحكم، وهناك إشارات وأعراض كثيرة على الشيخوخة لدى المسلمين في التعامل مع كثير من المسائل التي تحتاج إلى صدمة وحسم لتستعيد المجتمعات والأفراد القدرة على التقدم ومواكبة العصر.
نلاحظ اليوم عددا لا حصر له من المشكلات والأحداث التي تعبر عن هذا الخرف، مثل إشغال الفقه والفكر في مسائل الحجاب والحيض والنفاس والكراهية والتحريض والنقاب، والطعام الإسلامي، والطب الإسلامي، وحملة تكفير علنية للمجتمع والدولة والقانون والدستور والحريات.
إن الإرهاب هو النتيجة الطبيعية والمفترضة لسوء السياسات التي استخدمت الدين في أغراضها لجرّ الشعوب عن رضا وإيمان، والغريب أن التفاعل مع التكنولوجيا أنتج آلة عملاقة من الفضائيات والصحف والكاسيت ومواقع الإنترنت لترويج التخلف والإرهاب.
والدراسات العلمية في الغرب والانفتاح على تجربته الحضارية والثقافية والتقنية أنتجت فيما أنتجت حجما كبيرا من العمل الإسلامي في الاستشفاء بالعسل والحبة السوداء، والعودة إلى حياة السلف الصالح في اللباس والطعام والتكفير والهجرة والعنف.