طيب تيزيني
انعقدت الأسبوع المنصرم ندوة في مدينة اللاذقية الساحلية، وكان موضوعها قد تمحور حول مسألة راهنة، بل راهنة جداً في معظم المجتمعات العربية الحالية؛ تتمثل في الاستحقاق النهضوي العربي، وما يتقاطع معه من مهمات تتصل باللغة العربية.
الأمر ليس جديداً على صعيد اللغة هذه بمثابتها أحد أركان الهوية والقومية العربية، كما نظر إليها أجيال من المفكرين والمثقفين والسياسيين العرب. وقد تعاظمت أهميتها وازداد القلق حولها وحول مصيرها، مع اتضاح مطالب النظام العالمي الجديد، التي منها التمكين للغة المقترحة عولمياً من حيث هي المرشحة كي تكون البديل عن العربية علمياً وحضارياً.
وأذكر في هذا السياق أن صديقاً ألمانياً هو توماس فيليب المستشرق المختص في التاريخ العام للشرق الأوسط، أفصح لي عن سعادته بأنه صار يؤلف كتبه باللغة الإنجليزية، وأردف أنه لم يعد يشكو من ضيقٍ لانتشار مؤلفاته بالإنجليزية التي جعلته يدخل quot;العهدquot; العالمي المعاصر مؤثراً ومتأثراً، متجاوزاً مرحلة كتابته بالألمانية ضئيلة الانتشار.
وإذا كان أمثال هذا المستشرق غزير التأليف يشكون بعض العزلة العلمية بسبب ضيق انتشار لغاتهم القومية (الألمانية في هذه الحال)، فكيف الحال بالنسبة إلى من يكتب وينشر بالعربية أو بلغة أخرى مماثلة في ضيق الحضور والانتشار الثقافي العالمي، (لنأخذ معياراً لذلك العلامات التالية: عدد الكتب المطبوعة نسبياً، وعدد القراء ضمن مرحلة ما، ومدى ارتقاء اللغة وتلبيتها لحاجات التطور الدلالي والقاعدي والاشتقاقي والنحتي والرمزي وغيره)!
ووقف المنتدون (وكنتُ من ضمنهم) أمام مشكلة جديدة ذات quot;خصوصيةquot; عولمية، وتقوم على أنه مع بروز العولمة راح الحديث يبرز في أوساط عالمية لغوية وغير لغوية، عن ضرورة التمييز بين نسقين اثنين على صعيد ما نحن بصدده، وهما الصورة والكلمة. ذلك لأنه مع تعاظم حضور النظام الإعلاني في سياق اتساع حضور quot;السوقquot; بمثابتها عصب النظام العالمي الجديد بعد أن طرأ تغيير بنيوي حاسم على مفهوم السوق، اتسعت هذه السوق لتتجه -عبر جهود عولمية كبرى- إلى أن يتماهى العالم بها: العالم هو السوق، وهذه هي ذاك. ومن ثم، فإن الكلمة تُفسح الطريق أمام صورة متحدرة من قبل تلك السوق، ذلك لأن هذه الصور تحقق شروط السوق والتسوق: إنها تسوِّق وتسوَّق، خصوصاً عن طريق المرأة وعبر مزاياها خصوصاً. وبهذا ترتد لغة الكلام، لتبرز لغة الصورة، التي تحرك نوازع جسدية وعاطفية لدى من quot;يتسوقquot;. ومن ثم يترتب على quot;اللغةquot; أن تتراجع لحساب الصورة وبواعثها.












التعليقات