عبد الزهرة الركابي


طالبت لجنة متابعة مبادرة السلام العربية، بوقف الإجراءات الإسرائيلية وقفاً كاملاً قبل أي حديث عن مفاوضات غير مباشرة أو مباشرة والربط الكامل بين هذين الأمرين، وجاءت هذه المطالبة عقب اجتماع طارئ لمندوبي أعضائها الـ13 في القاهرة، حيث اعتبرت اللجنة، انه في حالة عدم وقف الإجراءات الإسرائيلية فورياً والتي تعمل على تغيير التركيبة السكانية والتشكيل الجغرافي للأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وعدم سحب الإعلانات الخاصة ببناء مئات المستوطنات في القدس المحتلة، فإن المباحثات المقترحة تعتبر غير ذات موضوع.
من أعلاه، تبدو النبرة الحازمة التي تحدثت بها اللجنة المذكورة أمراً يبشر بتطوير الخطاب العربي حيال الاستهتار الإسرائيلي الذي بلغ حداً أثار فيه الاستياء الخجول، حتى من قبل الدول الداعمة للدولة العبرية وعلى رأسها أميركا، ومرد هذا الاستهتار يتمحور في أن حكومة نتنياهو اليمينية أوغلت في انتهاج تكتيكات مشكوفة، بينت ان هذه الحكومة لا تعمل بجد نحو التوصل الى اختراق فعلي، وهي حقيقة اعترف بها الإسرائيليون أنفسهم، وقد ذكرت صحيفة معاريف الإسرائيلية، أن مستشارَي نتنياهو الأكثر قرباً وهما: اسحاق ملوخو ومايك هرتسوغ، كانا يرددان بهذا الشأن (أن المسيرة السياسية لا حياة لها، وأن كل شيء تكتيك، وأن نتنياهو لا ينوي اطلاقاً المضي في إجراء حقيقي، وباختصار، يستطيع المستوطنون الاطمئنان).
وإذا كان الموقف الإسرائيلي بشأن السلام بات مكشوفاً ومعروفاً لدى السياسات العربية، فإن السؤال الذي بات مطروحاً، ومفاده: الى متى تبقى مبادرة السلام العربية مطروحة من دون جدوى، وهل هناك استراتيجية اخرى لهذه السياسات بشأن الصراع مع الدولة العبرية؟
وتأكيداً لما ذكرناه آنفاً، قال مسؤول عربي في مؤتمر صحافي مع الأمين العام للجامعة العربية، منذ البداية كان لدينا شك في جدية إسرائيل في عملية السلام.. لكن المجموعة العربية أرادت ان تعطي فرصة للوسيط الأميركي الذي رأت انه متحمس للقيام بالعملية، وهو الذي طلب ان نعطيه فرصة، مضيفاً، على هذا الأساس وافقنا على بداية المباحثات رغم اقتناعنا التام أن هذه العملية ليست ذات جدوى بسبب الممارسات الإسرائيلية المستمرة.
إذاً، إسرائيل مستمرة في نهجها البعيد عن السلام، وهي في نفس الوقت لم تواجه من أميركا بمطالبة جدية وعلنية لوقف عمليات الاستيطان، ما عدا انتقادات (مبحوحة) أميركية لرفع العتب أمام العرب، وبالتالي، فإن أميركا ليس لها دور مؤثر على الدولة العبرية شكلياً، وحتى لو كان لها مثل هذا الدور، فإنها عازفة عن القيام به، مايجعل من دورها كراعية ووسيطة للسلام لا أهمية له، وأكبر دليل على ما نقول، هو أن العرب والفلسطينيين ومنذ اتفاقيات (كمب ديفيد وأوسلو) لم يحصلوا على مبتغاهم من السلام، بقدر ما تعرضوا الى اعتداءات وحشية وإجرامية طاولت الأراضي الفلسطينية ولبنان.
وأن كل ما يُقال عن أزمة بين حكومة نتنياهو وإدارة أوباما هذه الأيام، يظل محصوراً في دائرة المماحكات الإعلامية لا أكثر ولا أقل، وهو واقع أكده مصدر مقرب من الخارجية الأميركية عندما قال، إن الأمر يتعلق بلعبة أميركية، فالأزمة باتت وراءنا، واللعبة الأميركية ترمي لردع إسرائيل عن إحراج ضيوف أميركيين رفيعي المستوى أثناء زياراتهم للمنطقة، والأميركيون يعلمون أنه لن تتخذ في الأسابيع المقبلة قرارات بناء في القدس الشرقية، بسبب انتقاداتهم.
من الواضح أن الدولة العبرية مطمئنة كل الاطمئنان الى الموقف الأميركي السرمدي في مناصرتها، وهي من هذه الحقيقة تعرف جيداً أصول اللعب مع واشنطن التي تعترف بعظمة لسانها بالاهانات والتحديات التي تواجهها وتتلقاها من إسرائيل، وكأن هذا الاعتراف الأميركي هو جزء من هذه اللعبة، وكي نطلع على وجه من هذه اللعبة، فقد رأى كبير مستشاري أوباما، ديفيد اكسلرود، أن الإعلان عن المشروع الاستيطاني الجديد في القدس الشرقية، هو إهانة للولايات المتحدة، وقرار يعرض عملية السلام للخطر، وقال لشبكة (سي أن أن)، quot;إن واشنطن ترى هذا الإعلان تحدياً.. الأمر كان اهانة نسفت المحاولة الهشة جداً لإرساء السلام في الشرق الأوسطquot;.
وعليه، فإن هذه اللعبة الأميركية الإسرائيلية بمختلف الإدارات وبشكلها الرمادي، مستمرة ولكن على حساب العرب والفلسطينيين من دون أن تضع الأطراف المتضررة منها حداً حاسماً على شكل: (يا أسود..يا أبيض)، وان الحزم العملي هو المطلوب حيال هذه اللعبة، بعدما أستهلكنا في إعطاء الفرص طوال العقود الماضية، وما وجدنا في كروم هذه اللعبة سوى الحصرم.