كاميليا انتخابي فرد
تشهد الساحة الإيرانية هذه الأيام تطورات غريبة، إذ تحول الثوريون المتطرفون سابقا إلى إصلاحيين ، وشباب الأمس وأطفالها لايعترفون الآن بأنصار الثورة مثل أكبر هاشمي رفسنجاني ،حيث يعتبرونه ومؤيديه من المساومين على أهداف الثورة ويطالبون بشطبهم من الساحة.
والمثل الأبرز لهذه الأحداث الغريبة هو إقالة علي أكبر محتشمي بور رئيس لجنة الدفاع عن الانتفاضة الفلسطينية في البرلمان الإيراني.
وكان محتشمي بور في الثمانينات شخصية مثيرة وعرفه الإعلام الغربي بأنه من الشخصيات المتطرفة في إيران ومؤسس حزب الله اللبناني، ووصل به الأمر بحيث وجد علي لاريجاني أن من السهل عليه إقالته. وإذا ما استمر الوضع بهذا الشكل ربما لن يحصل محتشمي بور في المستقبل على تزكية مجلس صيانة الدستور للترشيح للانتخابات البرلمانية مرة أخرى.
كان محتشمي بور سفيرا لإيران في سوريا وعمل على ترسيخ أسس المجموعات الإسلامية للدفاع عن الانتفاضة الفلسطينية وأشرف بشكل جاد على تأسيس حزب الله اللبناني.
وقد بترت يده في حادث تفجير عام 1986 في لبنان عندما تسلم رزمة بريدية وضعت فيها متفجرات واتهمت إيران آنذاك الموساد بتدبير الحادث ولم يكشف إلى الآن عن المتورطين بهذه العملية.
بعد تلقيه العلاج عاد محتشمي بور إلى إيران وأصبح وزيرا للداخلية في فترة ولاية علي خامنئي ولكن بعد وصول أكبرهاشمي رفسنجاني إلى سدة الرئاسة رغب محتشمي بور بالتخلي عن النشاط الذي ركز على تصدير الثورة إلى البلدان المجاورة والإسلامية وعكف على العمل من أجل تحديد نشاط المجموعات المتطرفة التي عملت على تشويه صورة إيران في العالم ، فعزله رفسنجاني من منصب مسؤول ملف لبنان في الخارجية وعين أخاه محمود هاشمي في المنصب.
محتشمي يعرفه العالم العربي وخاصة المجموعات الفلسطينية واللبنانية أكثر من الإيرانيين في الداخل ،وقد أفلح هذا المسؤول المخضرم الذي قاد عمليات متعددة في لبنان وفلسطين بأن يلتحق بسلك المستشارين للرئيس السابق محمد خاتمي.
وفي انتخابات مجلس الشورى عام 1991 أصبح ممثلا لطهران في البرلمان وعمل على تشكيل لجنة دعم الانتفاضة الفلسطينية وبقي في هذا المنصب إلى ما قبل إقالته مؤخرا بقرار من البرلمان.
وكان تشكيل اللجنة المذكورة قد قدم محتشمي بور مرة أخرى كفاعل على الساحتين الفلسطينية واللبنانية، وقام بعدها بنشر صحيفة quot;بيانquot; التي أوقفتها السلطات عام 2000 .
خلال الانتخابات الرئاسية السابقة وترشيح ميرحسين موسوي للانتخابات أعلن محتشمي بور دعمه لهذا الترشيح وأصبح عضوا في الحملة الانتخابية لموسوي وبلغت العلاقة بينهما حدا حيث عين موسوي محتشمي بور رئيسا للجنة quot;الحفاظ على أصوات الشعبquot; وتحدث محتشمي بور بشكل مكشوف عن التزوير في الانتخابات بعدما أعلن مجلس صيانة الدستور فوز أحمدي نجاد في الانتخابات.
وبعد هذه الأحداث ومنذ الصيف الماضي شهد هذا المسؤول المخضرم ضغوطا متزايدة للتنحي من مهمته في لجنة الدفاع عن الشعب الفلسطيني لأنه ومن خلال دعمه لموسوي والحديث عن التزوير قد أعلن الحرب على المرشد وأحمدي نجاد، فلم يخضع محتشمي بور لهذه الضغوط ولم يستقل إلى أن أقاله علي لاريجاني رئيس البرلمان من مهمته خلال عطلة رأس السنة الإيرانية.
يعرف المراقبون للأحداث التي أعقبت الانتخابات الرئاسية الماضية أن أحمدي نجاد عمل بعد الانتخابات الرئاسية لإقصاء نسبة كبيرة من منتسبي وزارة المخابرات والأنظمة التابعة لها ولم يسلم وزيرالمخابرات نفسه من هذه الإجراءات.
وتعد القضية الفلسطينية والعلاقات مع حزب الله من الأمور الحساسة بالنسبة لحكومة أحمدي نجاد، فمن الضروري أن يكون المعنيون بالملفين على درجة رفيعة من الثقة، لكن نفوذ محتشمي بور بين المجموعات الفلسطينية المسلحة في فلسطين ولبنان وتجربته في هذا المجال من شأنه أن يؤدي إلى إيجاد تغييرات في مواقف قادة هذه المجموعات بالنسبة لقادة إيران، كما أن زعيم حزب الله حسن نصرالله قد ندد باستخدام العنف ضد الشعب الإيراني والتزم الصمت خلال الانتخابات.
لم تبد أي مجموعة احتجاجها على عزل محتشمي بور من منصبه عدا ائتلاف الإصلاحيين في البرلمان الذي وصف القرار بأنه سياسي.
وتعد إقالة محتشمي من المنصب محاولة أخرى لأحمدي نجاد في إطار إقصاء المعارضين من السلطة حيث يساوره القلق من العلاقة التي يقيمها أحد أنصار مير حسين موسوي بالمجموعات الفلسطينية واللبنانية كما أنه لا يريد الترويج لوقوع تزوير في الانتخابات لأنه يؤدي في نهاية المطاف إلى الحط من مكانة نجاد بين هؤلاء الحلفاء في المنطقة.
ويرى أحمدي نجاد أنه بحاجة إلى مجموعات إسلامية مسلحة وملتزمة بالعلاقة مع إيران للاستفادة من نفوذهم في وقت يطرح فيه احتمال وقوع حرب بين إيران والدول الأخرى بشأن البرنامج النووي. ولكن يبدو أن طي ملف محتشمي بور الذي تطارده الأجهزة الأمنية الغربية منذ سنوات قد يؤدي إلى طمأنة الآخرين بدلا من تلبية مصالح أحمدي نجاد.
- آخر تحديث :
التعليقات