عبد العزيز المقالح

ليس أقرب إلى تصوير تورط الولايات المتحدة بغزوها للعراق وأفغانستان من المثل المتداول، وهو ldquo;من زرع الريح يحصد العاصفةrdquo;، وما من شك في أن الدولة العظمى بغزوها لهذين البلدين، قد زرعت الريح وما عليها إلا أن تحصد الناتج لما زرعته في لحظة جنون القوة، وغرور السلطة، وأن تتحمل ما حدث ويحدث لها من أزمات اقتصادية واجتماعية، ومن تنافر سياسي غير مسبوق، وقد يؤدي ذلك إلى انفراط عقد الولايات أو بعضها في غضون أعوام قليلة، فضلاً عما نشأ الآن في بعض الولايات ولأول مرة من ميلشيات إرهابية أصولية أمريكية تهدد أمن المواطنين الأمريكية واستقرارهم . وما يؤسف له أن القوى المحافظة التي دفعت إلى هذا النفور، قد تسعى إلى تحميل الرئيس الحالي باراك أوباما مسؤولية النتائج، وربما يكون كبش الفداء للمحرقة التي اشعلها سلفه، وإن كان سيتحمل مسؤولية دق الطبول في أفغانستان واذكاء الحرب بحثاً عن انتصار مؤقت، يستطيع معه أن يسحب القوات الأمريكية بأقل الخسائر .

ومن المؤكد أن لا حدود لخيبة الأمل التي منيت بها الولايات المتحدة في كل من العراق وأفغانستان، ولعل أسوأ تلك الخيبات تتجسد في مواقف عملائها الذين حملتهم الدبابات الأمريكية، ووضعتهم على رأس السلطة في البلدين، وما يقوله حامد قرضاي في كابول من تدخل أمريكي في شؤون بلاده ومن احتمال انضمامه إلى طالبان، وما يبديه من تذمر وإدانة للدول الغربية ومن فضح للمجازر التي تقام ضد المدنيين المسلمين، كل ذلك يدعو إلى أن يبدي البيت الأبيض أقصى معاني القلق ومشاعر الخيبة، وقرضاي لا يعلن تذمراً شخصياً بقدر ما يعبر عن شعور شعبي وغضب عارم، مما أحدثته وتحدثه الحرب الظالمة، وما يرافقها من جبروت المحتلين وغطرستهم، ومن قتل عشوائي يدفع المواطنين الأفغان إلى رفع شعار المقاومة أو الموت .

أما خيبة أمل البيت الأبيض أو بالأحرى خيبة الولايات المتحدة نفسها في العراق فهي الأقسى، سواء وافق العراقيون على الديمقراطية المستوردة أم نفضوا أيديهم منها، في ظل الخراب الذي تجاوز كل التصورات، بعد تصاعد أعداد الضحايا والمهجرين التي فاقت ما شهده العراق من بدء التاريخ إلى اليوم، وما يبديه الساسة القادمون على متن الدبابات الأمريكية من براءة التواصل مع قوات الاحتلال، التي ما تزال هي التي تحميهم في المنطقة الخضراء، فكيف لو أعلنت القوات الأجنبية بدورها البراءة من التعامل معهم، وتركتهم لمصيرهم يواجهون الشعب، وبعد أن تقدموا إليه بقائمة طويلة من الاعتذارات غير المقبولة أخلاقياً ووطنياً وسياسياً .

لقد بدا واضحاً الآن، وأكثر من أي وقت مضى، أن الغزو الذي استهدف العراق وأفغانستان لم يكن مدروساً، ولم يكن جورج بوش بعد أن ركب رأسه يقبل أية مشورة تذكره بتاريخ هذين البلدين، وما اشتهر به من مقاومة وكراهية طاغية للأجنبي، وما سوف يتركه الغزو على المدى القريب والبعيد من ردود أفعال تغذي العنف، وتشعل الثائرين والمتمردين على الأوضاع المغلوطة في عالم خال من العدل والأمل والأمان .