احمد المرشد

أعلنت السلطة الوطنية الفلسطينية إنها تعمل على الانتهاء من بناء المؤسسات اللازمة لقيام الدولة الفلسطينية، حتى إذا جاءت فرصة إعلان قيام الدولة تكون البنية الأساسية متكاملة في جميع القطاعات. وتوقع سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني الانتهاء من بناء هذه المؤسسات في منتصف العام المقبل. وقد دفعت هذه التصريحات الفلسطينية الجامعة العربية إلى إعلان تأييدها للفكرة اضافة بأنها تنال أيضا التأييد الدولي . وقد ربطت الجامعة العربية هذا الإعلان الفلسطيني والممارسات الإسرائيلية المتمثلة في مواصلة الهجوم على قطاع غزة وبناء مستوطنات يهودية في الضفة الغربية والقدس الشرقية بما يتناقض مع أساسيات عملية السلام. ولم تنس الجامعة على لسان هشام يوسف المتحدث باسمها دعوة الولايات المتحدة الى إقناع إسرائيل بالتخلي عن بناء المستوطنات والتعهد بعدم تكرار هذه الممارسات، لان البديل هو لجوء العرب لمجلس الأمن لإعلان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
الأمر الواضح لدى الجامعة العربية كما يقول متحدثها، ان الممارسات الإسرائيلية تجعل من اي حديث عن السلام او المساهمة في إقامة الدولة الفلسطينية أمرا غير قابل للتنفيذ على الأرض. كل هذا طبيعي، فهو مجرد إعلان او فعل ثم ردود فعل مقابله ..فسلام فياض يعلن ويقول ثم تؤيده الجامعة العربية. ولكن الأهم او الأخطر من كل الأفعال او الأقوال العربية هو ان إسرائيل لم تعلق او تبدي اي رد فعل على هذا، ولهذا يكون الفعل العربي او القول العربي بدون تأثير يذكر او باهت.
فمثلا، تحذير الجامعة العربية من ان اعتداءات إسرائيل على قطاع غزة ستؤدي الى انفجار المنطقة، فما هو رد الفعل؟. رد الفعل الإسرائيلي عليه هو زيادة وتيرة قصف قطاع غزة. ثم تحدثت الجامعة العربية عن ان العرب ينتظرون رد الولايات المتحدة حول استمرار الممارسات الإسرائيلية المناهضة للسلام. ثم قول الجامعة انه إذا لم توقف إسرائيل اعتداءاتها، فان ذلك سيؤدي الى انفجار في المنطقة وهو ما تتحمل إسرائيل وحدها تبعاته!! فماذا كان رد الفعل الأمريكي او الإسرائيلي؟.
رد الفعل هو تحذير شديد اللهجة من ان أي تفكير في إعلان الدولة من جانب واحد سيجهض عملية السلام برمتها ويكون الجانب الفلسطيني والعربي هو الخاسر، إذا لم ينتظر التطور الطبيعي لما ستسفر عنه مسيرة المفاوضات حتى لو تعثرت.
اعتقد انه بات من الخطأ ان يركز العرب اعتمادهم اليوم على الولايات المتحدة وقدراتها على لجم الغرور الإسرائيلي وصلف قادة الدولة العبرية المتشددين. فالتجارب القليلة الماضية وآخرها مسألة بناء مستوطنات يهودية في الضفة الغربية والقدس الشرقية والتي سببت حرجا بالغا للإدارة الأمريكية، لم تمنع واشنطن من الوقوف الى جانب إسرائيل ومساندتها، رغم إعلان باراك أوباما ان إنهاء الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين هو من أولويات سياسته الخارجية، لان يذلك يؤثر على الأمن القومي الأمريكي .
وإذا ركزنا في مسألة الاستيطان بالقدس الشرقية وأزمة نيتانياهو بايدن الأخيرة، نجد ان الأزمة رغم قسوتها على الإدارة الأمريكية، فهي لم تمنع واشنطن من الوقوف في صف إسرائيل ضد العرب والفلسطينيين، وإعلان هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية ان إسرائيل هى الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة.. ثم زاد إعلان أوباما بانه راض تماما عن إسرائيل ثم استقباله له في البيت الأبيض أثناء وجوده في الولايات المتحدة لإلقاء كلمة أمام منظمة الإيباك كبري المنظمات اليهودية في أمريكا، فرئيس الوزراء الإسرائيلي حل ضيفا على أوباما وتباحث معه في شأن عملية السلام والعلاقات الثنائية رغم ما أعلن في واشنطن قبلها من ان نيتانياهو شخص غير مرغوب به في هذا الوقت بالذات بعدما اهان الإدارة الأمريكية بفضيحة إعلان بناء 1600 وحدة استيطانية في القدس الشرقية قبيل ساعة تقريبا من عشاء أقامه لنائب الرئيس الأمريكي أثناء زيارته لإسرائيل الأخيرة.
نأتي لمربط الفرس، فنيتانياهو والإيباك يعلما تماما ان الوقت يعمل لصالحهما وليس لصالح أوباما وإدارته التي تدعي ان السلام من أولويات سياستها الخارجية. فالرئيس الأمريكي وفي هذا الوقت تحديدا لن يستطيع التخلي عن نيتايناهو ، ويجب ان يعمل على استمالته وعدم إغضابه، وذلك لضمان ولاء وتأييد منظمة الإيباك اليهودية للحزب الديمقراطي وسياساته وعدم انقلابها ضده . فانتخابات التجديد النصفي للكونجرس على الأبواب وتحديدا في منتصف نوفمبر المقبل، وأوباما وحزبه في حاجة ليس لأصوات اليهود ، وانما لدعم كل المنظمات اليهودية التي تلعب دورا قويا في اي انتخابات أمريكية، حيث بإمكانها تغيير مجريات عملية التصويت والتلاعب بالأصوات.
وحتى إذا تحدثنا عن حاجة الإدارة الأمريكية لدعم عربي وخليجي في مسألة الصراع مع إيران، لان هذا الدعم عامل مهم جدا حيال العقوبات الدولية المرتقبة ضد طهران..فقد تغاضت إدارة أوباما عن مثل هذه الحاجة لصالح إسرائيل، لدرجة ان كلينتون وأوباما أعلنا انه ليست هناك أزمة بين إسرائيل وأمريكا وان الخلاف ما هو سوى بعض التباين في وجهات النظر.
وليس علينا الأخذ مأخذ الجد ما أعلنه نيتايناهو من انه لن يشارك في المؤتمر الدولي لمكافحة التسلح النووي الذي يعقد غدا في واشنطن تحت رعاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وذلك خوفا من لقاء محتمل قد يتم الترتيب له مع الرئيس الأمريكي وتكرار الإهانات التي تعرض لها في زيارته الأخيرة الشهر الماضي. فقد كذب الإعلام الإسرائيلي عندما ذكران نيتانياهو يخشى أن تتسبب مشاركته في المؤتمر إلى تصعيد في الخلافات وتوجيه مزيد من الضربات الدبلوماسية له أثناء وجوده في واشنطن . والتخوفات الإسرائيلية او لنقل وصفها الصحيح وهو ldquo; المزاعم ldquo; ليس لها أساس له من الصحة، لماذا ؟.. لان باراك أوباما لن يستغل المؤتمر المشار إليه ويحشد المشاركين، من ممثلي العالمين العربي و الإسلامي أو الصين وغيرهم، أن يربطوا بين التسلح الإيراني النووي والإسرائيلي، ويطالبوا بقرارات ضد إسرائيل مثل القرارات التي ستتخذ ضد التسلح الإيراني. والادعاء الثاني هو أن يعود أوباما إلى ممارسة الضغوط على نيتانياهو في موضوع استئناف المفاوضات لتسوية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وفي مقدمتها وقف البناء الاستيطاني.
الحقيقة المجردة هو انه ليس هناك ضغط أمريكي على إسرائيل، ويتوهم العرب إذا اعتقدوا ذلك، حتى إن بعض الإسرائيليين يطالبون حكومتهم الان بوقفة جادة أمام المواقف الأمريكية المضادة لتل أبيب، لان هذا يضر بسمعة وصورة إسرائيل الدولية!! والأمر المؤكد ان أمريكا لن تكون يوما ما عربية الهوى.