شملان يوسف العيسى


سجلت عمليات الإرهاب المرتكبة في شتى أنحاء المعمورة معدلات غير مسبوقة في الأسابيع الأخيرة، راح ضحيتها المئات من الناس الأبرياء في كل من العراق وباكستان وأفغانستان وروسيا... فما هو العامل المشترك بين كل هذه العمليات الدامية؟

لعل هذا العامل هو أن من قاموا بهذه العمليات هم شباب وشابات مغرر بهم، ولديهم الاستعداد لتفجير أنفسهم وقتل غيرهم من الناس الأبرياء. ففي روسيا مثلاً فجرت امرأتان شابتان نفسيهما في محطة للمترو بموسكو، مما أسفر عن مقتل 40 شخصاً وجرح أكثر من 80 آخرين فيما يعد أسوأ عملية إرهابية هناك.

ولابد من التأكيد على أن الإرهاب هو نتاج للتطرف الفكري، الذي اقترن عبر العصور بالعنف الدموي، وسببه قصور ثقافي عن مواجهة الفكر المستنير بالحجة أو الكلمة الهادئة الرشيدة والمنطق العقلاني. فالإرهابيون يعتقدون أنهم وحدهم على حق، هم حماة الدين والمدافعون عنه.

لكن ما هو الجديد في العمليات الإرهابية الأخيرة، سواء في العراق أو روسيا أو باكستان أو أفغانستان... إضافة للمحاولة الفاشلة في السعودية؟

الجديد في تلك العمليات هو أن الإرهابيين بعد أن فشلوا في توسعة قواعدهم وأنصارهم في بلدانهم الأصلية، بدأوا في جلب عناصر إرهابية شابة من بلدان أخرى. ففي العراق مثلاً قُتل وأُلقي القبض على المئات من المتطوعون الجهاديين من الدول المجاورة للعراق، وحصل نفس الشيء في السعودية عندما قبضت الشهر الماضي على أكثر من 113 إرهابياً شاباً نصفهم كانوا قادمين من اليمن ومن بينهم شباب من الصومال وارتيريا في شرق إفريقيا.

جريدة quot;الهيرالد تريبيونquot; الأميركية أوردت في عددها ليوم الثاني من إبريل، خبراً مفاده أن قائد العمليات الإرهابية في القوقاز quot;الكسندر تنحومبروفquot; الذي قتلته القوات الروسية الشهر الماضي، قد نجح في تدريب عشرات من الشباب الإسلامي الروسي على العمليات الانتحارية، وقد بعث بعضهم للتدريب على العمل الجهادي في الدول المجاورة لروسيا.

والسؤال هنا هو: كيف يمكن لدول العالم المعاصر محاصرة الإرهابيين والقضاء على التطرف الفكري والإرهاب؟

معظم دول العالم، ومع الأسف الشديد، ركزت كل جهودها وأموالها على الجانب الأمني والعسكري في محاربة وقتل الإرهابيين وملاحقتهم في كل بقاع المعمورة... لكن واقع الحال يخبرنا بأن العمليات العسكرية لوحدها لن تقضي على الإرهاب ولن تحد منه... لأن أسباب الإرهاب متعددة ومتنوعة؛ فبعضها اقتصادي، وبعضها الآخر سياسي أو اجتماعي. فما دام هُناك فقر وتشرد وبطالة، وغياب تام للحوار السلمي، ومصادرة لحقوق الإنسان، ووجود اضطهاد وتفرقه دينية... سيستمر الإرهاب. فرفع الظلم وإزالة اليأس، يتطلب مجهوداً دولياً متكاملا يأخذ في الاعتبار كل العوامل التي أدت إلى تفشي ظاهرة إقبال الشباب على قتل أنفسهم وقتل الآخرين من أجل قضية يعتقدون أنها تخدم فكرهم أو دينهم أو مذهبهم أو حتى قوميتهم ووطنهم!

مطلوب من المجتمع الدولي التعاون على محاربة الإرهاب واقتلاعه من جذوره، ولن يتحقق ذلك إلا بدراسة ومعرفة البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية التي ولّدت الظاهرة الإرهابية وأوجدت الإرهابيين.