تقارب بين الجزائر وأمريكا ونفور وأزمة مع فرنسا

الجزائر

إذا كان النفط والإرهاب هما السببان في التقارب الجديد في السياسة الأمريكية اتجاه الجزائر، فإن النفور في العلاقات مع باريس يكون هو الآخر قد عجّل في هذا التقارب . إذ في الوقت الذي انقطع فيه المبعوثون بين قصري الإليزي المرادية بسبب النفخ في رمادالتاريخ، ارتفع حجم الزيارات ''النوعية'' بين واشنطن والجزائر، وهو ما يرى فيه المراقبون، أن إدارة أوباما تريد أن تدفع بالعلاقة من وضعية السطحية والمحدودة حاليا إلى فضاء أكثـر عمقا وجدية.

مشاكل ساركوزي الداخلية جعلته يتحاشى مواجهة ملفات عالقة مع الجزائر


المهتمون بملف العلاقة بين الجزائر وباريس، يقسمون السياسة الفرنسية إلى قسمين، الأول رسمي يندرج ضمن ما يقدم باسم ''الإليزي''، والثاني غير رسمي يقوده غير السياسيين بصفة رسمية، وتصب عامة في اتجاه واحد يخدم مصالح فرنسا لا غير، داعين في الوقت نفسه المسؤولين في السلطة الجزائرية إلى التعاطي ''الجيد والصارم'' مع تحرشات النظام الرسمي الفرنسي، لدفعه إلى الاعتراف بجرائمه، والاعتذار وتقديم الفاتورة الرسمية.
معادلة غير مفهومة بالنسبة إلى البعض، لكنها مؤكدة من حيث الممارسة والواقع الذي تمر به العلاقة بين البلدين، أو بين الجلاد والضحية. لم تتوقف باريس عن التحرش بالجزائر منذ الاستقلال. وعندما سألت الوزير دحو ولد قابلية، قبل أسابيع، بمناسبة تفاقم وتيرة التوتر بين العاصمتين، أجاب بصراحة من ذاق مرارة الاستعمار ومسيرة ''قاتل أو مقتول'' أن خصم الأمس يريد ''تركيع الجزائريين''، مقدرا بأن هذا الحلم لن يكون قابلا للتحقيق مطلقا.
وقبل أيام قليلة أهدى زرهوني وزير الداخلية، لوزير العدل الأمريكي كتابا عن حياة الأمير عبد القادر، وحرص على القول وهو يسلمه إياه بأن هذا الرجل هو من قاد مقاومة الجزائريين ضد الفرنسيين، كما حرص كل الحرص على إطلاع ضيفه الأمريكي بأن الرئيس الأمريكي جورج واشنطن أهدى الأمير عبد القادر واحدا من ''مسدساته'' في إشارة ضمنية إلى دعم واشنطن لمقاومته على اعتبار أن الشعب الأمريكي ذاق هو الآخر مرارة الاستعمار والحروب والاستعباد.
لقد كشفت فرنسا عن نواياها تجاه الجزائر بصفة علنية ومباشرة خلال رحلة علاج بوتفليقة هناك.. ولا غرابة القول بأن الرئيس غير نظرته وسياسته 180 درجة بعد الحملة الإعلامية الشرسة التي شنتها الصحف اليمينية الفرنسية ضده، وهو يخضع للعلاج في مستشفى ''فال دو غراس'' العسكري خريف سنة .2005
فكان أول قرار اتخذه بوتفليقة بعد عودته أن كلف وزير خارجيته، آنذاك، محمد بجاوي إبلاغ نظيره فليب دوست بلازي بأن الجزائر لن توقع معاهدة الصداقة مع باريس قبل أن يحسم الفرنسيون أمرهم إزاءها فيما يخص مسألة الذاكرة.
لقد اجتهد الرئيس السابق جاك شيراك، على وضع لبنات معاهدة إستراتيجية على شاكلة إيطاليا وإسبانيا والبرتغال.. كما دشن رفقة بوتفليقة صفحة بيضاء جديدة جعلت هذا الأخير يثني على باريس ويعتبرها مفتاح العالم بالنسبة إلى الجزائر. قبل أن تتوقف العربة ويطلق قانون 23 فبراير الممجد للاستعمار رصاصة الرحمة على الحصان الذي كان يجرها. لقد قيل آنذاك إن بوتفليقة أبرم صفقة مع ساركوزي من أجل عدم إعطاء شيراك شرف الترشح للانتخابات لعهدة ثالثة.. قاطعا العهد على نفسه بأن يستجيب لجميع مطالب الجزائريين. في ماي 2007 فاز ساركوزي بالرئاسة الفرنسية، وجاء إلى الجزائر في أول خرجة له إلى الخارج لكن ليطلب من بوتفليقة دعمه في مشروع الاتحاد المتوسطي ويعرض عليه شراكة استثنائية تبدأ وتنتهي ''باستحلاب'' ثروات الجزائر مقابل أن ينطق ساركوزي بعبارة اعتذار لم تخرج أبدا من فمه ولا يبدو أن ذلك سيحدث في يوم ما.
كما بينت الأيام والأشهر أن ساركوزي ليس هو الشريك القادر على الانتقال بالعلاقة مع الجزائر إلى فضاء أرحب، خاصة أنه محيط بلوبي من بقايا ''الجزائر فرنسية'' لم يخف عداءه لأي تقارب بين باريس والجزائر. كما زادت مشاكل ساركوزي الداخلية، وساهمت أزمة المال العالمية في تعقيدها، وبدا ذلك واضحا بوقوفه عاجزا عن إقناع الجزائريين بعدم تحويل بوصلتهم إلى أقصى الغرب ناحية واشنطن للتخفيف من وطأة ضغط باريس، بل إن ساركوزي لم يكلف نفسه عناء التعليق على إجراءات بوتفليقة الاقتصادية.