يوسف الكويليت

كيف استوعبت البحرين رحلتها الطويلة من الاعتماد على خيرات البحر إلى الوصول بالبلد الحديث في كل شيء؛ طاقات شابة، اقتصاد ينمو بوتيرة متسارعة، وحياد أمام الخصومات العربية والإقليمية، وانفتاح على العالم، وحوار داخلي في كل شيء لترسيخ مبدأ المواطنة واجتثاث أي أسباب للفرقة؟

تجاور المملكة بدون حساسيات حتى أن بناء الجسر الرابط بين المنطقة الشرقية والبحرين أظهر بعض المخاوف بناء على تقديرات غير منطقية، وهي الحساسية التي دائماً ما تجعل البلد الأكبر أمام الأصغر شديد المراقبة والتوجس، إلا أن هذا الشريان سريعاً ما بدد التصورات، وكان أحد دعائم نمو الاقتصاد البحريني، والتواصل بين الجزيرة المقطوعة مع الفضاء الصحراوي المفتوح..

الملك عبدالله عند إخوته في زيارة تاريخية، يريد بها تأكيد مبدأ الشراكة في مختلف المجالات، ولذلك فرحلته انتقال إلى أرضه الأخرى، وهذا التميز الذي يحظى به البلدان أكدته سنوات الفقر والغنى، لأن الطابع الرابط بينهما أقوى من المماحكات السياسية أو تفسير الوقائع بعكس أهدافها، وقد نشأت هذه العلاقة على الثقة المطلقة بين قادة البلدين منذ أزمنة طويلة، وهذا التميز حدث لأنه لا توجد عوائق أو مبررات للخلاف إذا كانت النوايا الطيبة هي التي تقود هذه المسيرة..

جلالة ملك البحرين الشاب المتطلع لبناء بلده وفتحه على كل الاتجاهات بضوابط لا تخل بالأمن الوطني، ولا تمنع الرأي والنقد والحوار المفتوح، ميز البحرين عن غيرها بوجود قاعدة مثقفة ومتعلمة استطاعت ملء الفراغات الإدارية والمصرفية والتربوية والإعلامية وغيرها، ضمن صياغة مشروع وطني معتدل، يشمل حتى الأقليات غير العربية التي استوطنت البحرين ، فأمست لا تشعر بالغربة أو أنها جسم مرفوض، وهذه دلالة على نضج التفكير المتمثل في التعايش الطبيعي والحضاري؛ أي أن اكتساب المواطنة من خلال تواجد طويل يبني علاقة متينة إذا ما تحققت المساواة بين شرائح المجتمع بأكمله..

انتقال البحرين من تجارة الصيد واستخراج اللؤلؤ إلى منظومة عمل كبير في التجارة، ومصرفية متطورة، وأداء إداري ينافس غيره في الأسواق العالمية، جعل البحرين واجهة مهمة في الخليج العربي كممر مهم للغاية، ويأتي الاستقرار من أولويات أهداف الدولة عندما جذبت كل المعارضين بالخارج وأعطتهم الفرصة في نشر آرائهم وأفكارهم بدون تحفظات، وهي سياسة العقل المفتوح، لأن الناقد والمنقود يعيشان في بيئة وطنية واحدة وبالتالي من الخطأ جعل العزلة بين طرفي العلاقة تتعقد أو تضيق بأفكار أي منهما..

الملك عبدالله يعرف أن البحرين ليست على مسافة بعيدة مع جيرانها، بل إن خيارها البناء والحياد والانفتاح على الجميع، يجعل المملكة أكثر سعادة، لأن مهمة البلدين تبقى سهلة سواء بإدارة شؤونهما، أو العلاقات الدولية والعربية والإسلامية..

الزيارة تتويج لعمل استمر بالنمو، ولا زال يعطي، ولقاء الأخوين والشعبين ثمرة تاريخ طويل من المعاناة للانتقال إلى صفوف الدول المتميزة اقتصادياً واجتماعياً..