خليل العناني


كيف نفسر ما يحدث الآن في تايلاند وقيرغيزستان.. هل نحن على أعتاب الموجة الخامسة للديمقراطية؟
بدأت الموجة الأولى للتحول الديمقراطي، أو ما يطلق عليه quot;Democratizationquot;، في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر وقد شملت فرنسا التي ما لبثت أن لحقتها الولايات المتحدة وتبعتها بعد ذلك بعض الدول الأوروبية التي بدأت تعرف الأحزاب السياسية كما هي الحال في هولندا والدنمارك.
ومع بداية القرن العشرين بدأت الموجة الثانية من التحول باتجاه الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، كما حدث في فنلندا حين تم وضع دستور جديد يحترم مبادئ المواطنة والمساواة عام 1906، وكذلك الحال في روسيا التي حققت قدراً من الديمقراطية الليبرالية تحت حكم ألكسندر كرينسكي قبل أن يستولي لينين على السلطة ويعلن ثورته البلشفية عام 1917.
وبعد الحرب العالمية الثانية لم يكن من سبيل سوى إزالة أسوأ نماذج الحكم السلطوي في العصر الحديث ممثلاً في نهاية الفاشية والنازية وانضواء كل من ألمانيا وإيطاليا ومعهما اليابان تحت نوع من الحكم الديمقراطي الذي أنتج حكومات تمثيلية يمكن محاسبتها شعبياً.
وجاءت الموجة الثالثة من الديمقراطية في منتصف السبعينيات، وهي التي أصّل لها المفكر الأميركي المعروف صامويل هنتنغتون وكان يقصد بها عمليات التحول الديمقراطي التي جرت في بقية بلدان غرب أوروبا مثل إسبانيا والبرتغال. وهي مرحلة امتدت حتى منتصف الثمانينيات كي تشمل بعضاً من دول أميركا اللاتينية كما حدث في البرازيل والأرجنتين والمكسيك.
في حين جاءت الموجة الرابعة من التحول الديمقراطي أوائل التسعينيات بعد سقوط الاتحاد السوفييتي السابق وتفكك الكتلة الشرقية كما حدث في تشيكوسلوفاكيا وبولندا ورومانيا والمجر وتحول كثير منها باتجاه الديمقراطية.
ومنذ بداية الألفية الجديدة انتشرت الثورات quot;الملوّنةquot; في بعض البلدان مثلما حدث في منطقة أقصى شرق أوروبا وآسيا الوسطى: في جورجيا (الثورة البنفسجية 2003)، وأوكرانيا (الثورة البرتقالية 2004)، وفي قيرغيزستان (ثورة السوسن 2005). ولم نسمع وقتها عن أنها الموجة الخامسة للديمقراطية لسبب بسيط وهو أن هذه الثورات قد قامت قبل أن تنضج شعوبها، حيث تصدّت لها فقط أحزاب المعارضة الرئيسية ولم تستند إلى قاعدة شعبية عريضة، فضلاً عن الدور الخارجي القوي الذي ساعد قادة هذه الثورات.
ولم يكن غريباً أن أياً من هذه الثورات لم تشهد إسالة قطرة دماء واحدة، أي أنها كانت ثورات quot;ناعمةquot; لعبت فيها التكنولوجيا ومخترعاتها دوراً بارزاً. لذا لم يكن غريباً أن تفشل هذه الثورات في إنجاز عملية تحول ديمقراطي حقيقية في أي من هذه البلدان، كما لم ينجح قادتها في إقناع الجماهير بأن محرّكهم للثورة كان بهدف تحقيق الديمقراطية، وهو ما شكّك في شرعية هذه القيادات.
وفي بعض الحالات كما هي في قيرغيزستان تحولت quot;ثورة السوسنquot; التي قادها الرئيس المخلوع عسكر أكاييف إلى نمط جديد من الاستبداد بسبب الفساد والسلطوية التي حكم بها أكاييف طيلة الأعوام الخمسة الماضية. وقد ظن أكاييف خطأً أن بمقدوره البقاء في السلطة إلى الأبد وأنه من المستحيل أن تقوم quot;ثورة سوسنquot; جديدة ضده.
أما في تايلاند فقد مرت البلاد بأوقات عصيبة منذ عام 2008 ورفضت المعارضة التايلاندية أو ما يطلق عليهم أصحاب quot;القمصان الحُمرquot; أكثر من مرة التراجع أمام استبداد حكومة أبيسهيت فيجاجيفا التي ترفض التنازل عن الحكم وإجراء انتخابات جديدة.
المثير في تجربة قيرغيزستان وتايلاند أن الشعب -أو ما يطلق عليه quot;الكتلة التاريخيةquot;- هو المحرّك الحقيقي للتغيير، وهو الذي يقود عملية أشبه بالانقلاب الشعبي ضد فساد واستبداد حكومتي البلدين. وهو ما تسبب في مقتل العشرات من المعارضين حتى الآن، ورغم ذلك لم تتراجع المعارضة. ولعل هذه هي بداية تصحيح المسار الديمقراطي في كلا البلدين، فلا ديمقراطية حقيقية بدون ثمن، ولا حرية بدون ثورة (ودماء) حمراء.

أكاديمي مصري- جامعة quot;دورهامquot;- بريطانيا