تركي الدخيل


نستمع دائماً إلى الأكاديميين والتربويين وهم يتحدثون عن الإعلام، يتحدثون عنه وكأنهم يتحدثون عن ديناميت أو عن جرثومة، يعتبرون الإعلام هو المسؤول عن كل الكوارث، هدم البيوت، التفريق بين الأزواج، انحراف الشباب. وهم بهذه النتيجة الخاطئة انطلقوا من افتراض خاطئ أيضاً.
الإعلام هو مرآة لثقافة الناس. الذي نشاهده في الإعلام إن كان جميلاً فهو انعكاس لثقافتنا وأخلاقنا وسلوكنا. إنه مجرد مرآة. الإعلام هو وسيلة من دون محتوى، المجتمع نفسه هو الذي يملؤها بثقافته. لهذا فإن انحراف الإعلام وسوءه تعبير عن خلل ما في ثقافة ذلك المجتمع.
في أحد المؤتمرات الجميلة التي حضرتها في أبو ظبي تحدثت إحدى الأكاديميات عن أن الإعلام سبب الطلاق، والشذوذ الجنسي، وانتشار التدخين، والبعد عن الدين. ولم تتحدث عن quot;القابلية للانحرافquot;، وهي جزء من كلمة للمفكر الرائع مالك بن نبي حينما تحدث عن quot;القابلية للاستعمارquot; بمعنى أن المشكلة ليست دائماً في الخارج، وإنما تكون كثيراً في الداخل وهو ما عرف بالنقد الذاتي.
الثقافة المنغلقة هي سبب الكوارث، والطلاق، وانتشار السلوكيات المنحرفة، وليس الإعلام، لأن الإعلام عبارة عن وعاء يعبّر عن الثقافة. ولولا أن هناك من يستهلك المنتج الثقافي المعروض عبر وسائل الإعلام لما رأينا قناة واحدة على قيد الحياة.
قال أبو عبد الله غفر الله له: إن أي نقد للإعلام يجب أن يمر عبر نقد الثقافة. قل لي ما ثقافتك أقل لك ما إعلامك.
مسكينة هذه الوسائل الإعلامية التي تحال إليها كل الآثام. ومسكين هو الإعلام الذي يتناوله التربويون بكل حماس على صيغة التعميم. لا يفرقون بين وسيلةٍ إعلامية وأخرى. إنه خطاب قديم أن نتأبط مجموعة من الإحصائيات ثم نتهم من خلالها الإعلام فقط. بأنه سبب كل طلاق، وفساد، وانحراف. لماذا لا نتهم ثقافتنا. الكثير من رواد القنوات الفاضحة والمصوّتين في البرامج الاستهلاكية هم من أبناء جلدتنا. لماذا لا ننتقد الثقافة التي عرّضت هؤلاء للفراغ وتضييع الوقت والصحة والمال.
أن تنتقد الإعلام مثل أن تنتقد كوباً لأنه احتوى على قهوة سيئة فتوجه النقد لصانع الكوب بدلاً من أن توجهه لصانع القهوة. هذه هي المسألة ببساطة.