محمد كريشان
لم يكن في فوز الرئيس السوداني عمر البشير أية مفاجأة فقد كان الأمر متوقعا بوجود منافسين له أو بغيابهم، بانتخابات حقيقية وذات مصداقية أو بواحدة على الطريقة العربية الأصيلة. ما كان لأحدهم أن تذهب به أحلام اليقظة إلى حد تخيل خسارة رئيس عربي لانتخابات هو مرشح فيها.
إذن المسألة لم تكن أبدا فوز البشير أو خسارته الانتخابات لأن السؤال أسذج من أن يطرح، ولكن المسألة المهمة والأساسية هي ماذا سيكون عليه وضع البشير وبلاده الذي ربطها بمصيره في اليوم الموالي لهذا الفوز؟ لم ينعم البشير بليلة واحدة ينام فيها مبتهجا بنصره المتوقع فقد خرج المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو في ذات بوم إعلان النتائج ليقول إن فوز الرئيس السوداني في الانتخابات الأخيرة لن يغير طلب المحكمة مثوله أمام العدالة بسبب جرائم الحرب في دارفور. ويضيف من بات ذكر اسمه في الخرطوم ألعن من ذكر إبليس أنه 'يتوقع من الحكومة السودانية أن تلتزم بالقرارات التي أصدرتها المحكمة بصرف النظر عن نتائج الانتخابات، فقرار المحكمة لا يرتبط بمسألة الانتخابات'، معتبرا أن 'اختيار 68' من السودانيين للبشير لن يغير من الوضع شيئا لأن الانتخابات تمت بموجب ما بت فيه الشعب السوداني بينما قرارنا صدر عن محكمة مختصة وقضاة مختصين في الجنايات التي ارتكبها البشير'. واعتبر أوكامبو في مقابلة تلفزيونية أن 'الترحيب الأوروبي بنتائج الانتخابات لا يعني وجود صفقة مع البشير، مذكِّرا بأن الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون كان قد اعتقل بأمريكا رغم أنه فاز في الانتخابات آنذاك لأن المسؤولية الجنائية أمر يختلف عن مسألة الانتخابات'.
ومع أن البشير قال في كلمته التي وجهها للشعب السوداني، بعد إعلانه رئيسا لأربع سنوات جديدة تضاف لأكثر من عشرين سابقة، أن أبوابه ستكون مفتوحة للقوى السياسية للحوار والتشاور لتأسيس شراكة وطنية تواجه تحديات المرحلة المقبلة، إلا أن ذلك لن يغير شيئا من واقع مذكرة الاعتقال الدولية الصادرة بحقه والتي ستظل تلاحقه كظله سواء في سدة الرئاسة أو بعيدا عنها، إذا ما قرر يوما ما أن يعود مواطنا عاديا بعيدا عن الاحتماء بالدولة السودانية وحصانة الرئاسة المفترضة أو المتخيلة. لهذا لم يكن غريبا أن تخرج بعض الأصوات السودانية المعارضة لتقول بعد إعلان النتائج أن البشير لا يمكن أن يحكم السودان بسبب أزماته الداخلية والخارجية، وأن البلاد الآن بأمس الحاجة إلى مخرج سياسي للملفات الحالية العالقة في دارفور وفي المحكمة الجنائية وفي علاقة الجنوب بالشمال. وعلى رأي أحد قادة حزب المؤتمر الشعبي المعارض فإن الحل السياسي قد يكون عبر حكومة انتقالية وإلا فإن 'الولاية الجديدة للبشير ستكون نذير شؤم على السودانيين'.
مخطئ من يعتقد أن لعنة الملاحقة الدولية للبشير قد خفت أو اختفت، وواهم من يخدعه تراجع الضجة الأولى عن ضرورة اعتقاله ومثوله أمام القضاء الدولي، فقد ظن كثيرون أن القائد الصربي البوسني رادوفان كاراجيتش قد نجا بجلده فإذا به وراء القضبان رغم هروبه لخمسة عشر عاما متخفيا بلحية طويلة كثة بيضاء واسم مزيف، كما أن الدور لن يتأخر كثيرا عن اعتقال رفيقه في الإجرام راتكو ملاديتش. لن يكون البشير استثناء أبدا ولن تنفعه شيئا تلك العصا التي يلوح بها دائما في وجه شعبه في حركة ذات رمزية عالية حتى وإن كانت مألوفة هناك لدى العسكر.
أمر واحد محزن في كل هذه القصة أن السودان كله بات رهينة لدى الرجل. لا يهم إن قـُــسم أو فُــتت، المهم أن يبقى البشير رئيسا... مأساة حقا.
التعليقات