عبد العزيز المقالح

لا ينقص العرب في حاضرهم شيء كالحرية، والديمقراطية، لكن أية ديمقراطية تلك التي يحتاج إليها العرب لتستقيم أمورهم وتستقر، هل هي تلك الموجودة على الورق والتي تتردد على ألسنة القادة والسياسيين في هذا القطر العربي أو ذاك؟ أم هي تلك التي يحملها لنا الأعداء على ظهر الدبابات وفي رؤوس الحراب؟ ولعل أسوأ ما أصاب الديمقراطية من تشويه في بلاد العرب أنها جاءت مع الاستعمار، وبدأت تقليداً ومحاكاة لما يحدث في وطن الحاكم الأجنبي، ولم تأت اختياراً وطنياً وتعبيراً عن إرادة الشعب العربي واستجابة لحاجة وطنية سياسية واجتماعية وتفاعل ذاتي، وهو الأمر الذي جعلها، منذ البداية، في مهب الريح ومكّن خصومها من تزييفها تارة وإلغائها تارة، كما حدث في مصر ولبنان وسوريا والعراق والسودان، وهي الدول العربية ذات التجارب الديمقراطية السابقة .

ولا يوجد أدنى شك في حاجة الوطن العربي إلى الديمقراطية ووضع نهاية حاسمة للاستئثار بالسلطة من قبل فئة أو فئات متنفذة في هذا القطر أو ذاك، وإعطاء الغالبية الحق في الاختيار وفي استخدام حقها في ممارسة الديمقراطية بالصورة المثلى بعيداً عن التقليد والمحاكاة . ومن المسلّمات أنه يمكن للشعوب أن تنقل التكنولوجيا، وأن تنجح في صناعة السيارات والطائرات، وأن تأخذ من الآخر كل قدراته التقنية، لكنها لا تستطيع أن تنقل أسلوبه في إدارة الحكم ما لم يكن ذلك نابعاً من رغبة حقيقية لا تقليداً ومحاكاة، وهو ما حدث في بعض الأقطار العربية منذ عقود طويلة وحتى الآن، وما أصاب التجربة من تعثرات وانقطاعات ومن انصراف المواطنين عن الاستجابة الطوعية الخالية من الإلزام وما يشبه الفرض .

لقد رأى السياسيون العرب الأوائل أن في بلاد المستعمر الأجنبي أحزاباً فأقاموا الأحزاب، ورأوا أن في بلاد هذا المستعمر ديمقراطية تقوم على الانتخابات وإعطاء المواطنين الحق في اختيار من يحكمهم لفترات محدودة، فأعلنوا الديمقراطية وأقاموا أشكالاً مختلفة من الديمقراطيات . وعندما وصلت الأنظمة الوطنية إلى السلطة لم تتردد في إلغاء هذه الديمقراطية الشكلية، ولم يأسف المواطنون على إلغائها أو يحزنوا لغيابها لأنها لم تكن في بعض الأقطار سوى أشكال فارغة من المحتوى، وانتظر العقلاء أن يرتفع مستوى الوعي الشعبي وأن تنتقل الديمقراطية من منطقة التقليد للآخر إلى منطقة الممارسة الحقيقية لكن الانتظار طال والحلم تأخر أكثر مما يجب .

وفي خضم هذه التجاذبات والبحث عن طريق واضح للوصول إلى الديمقراطية في شكلها ومعناها الحقيقيين، ظهر شعار ldquo;الفوضى الخلاقةrdquo; مصحوباً بزحف الدبابات والطائرات لغزو الوطن العربي والإسلامي تحت شعار نشر الديمقراطية والخلاص من الدكتاتورية والتطرف، وكانت النتيجة بعد ثماني سنوات من الغزو والعدوان السافر هذا الواقع الدموي في بلدين، كانا ضحية الادعاء الكاذب بإقامة النموذج الديمقراطي بالقوة .