عبد الرحمن الراشد
يبدو من مظهر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي المنتهية ولايته أنه لم يذق طعم النوم منذ أسابيع، ربما منذ يوم إعلان نتائج الانتخابات. وتصريحاته تدلل هي الأخرى على أنه في حالة قلق مستمرة أن يغادر السلطة وهي التي وصلت إليه بالحظ.
والقصة لمن لا يتذكر أنه في انتخابات عام 2005 فاز بها الائتلاف الموحد، وكان مرشحاه لرئاسة الوزراء الدكتور إبراهيم الجعفري وعادل عبد المهدي، إلا أن خلافا شديدا وقع على اختيار أحد الاثنين حتى مرت أربعة أشهر من النزاع اضطرت المتنافسين إلى التنازل عن المنصب وتقليده إلى شخص ثالث لإنهاء المشكلة، فاختير المالكي الذي (نفسه) لم يكن يتوقع المنصب، وهكذا صار من حظه أن يتوج رئيسا للوزراء.
أربع سنوات قام المالكي بواجبه كرئيس للوزراء، والحق يقال فعلها بأفضل ما يمكن في ظروف صعبة أمنية وسياسية، ثم جاءت الانتخابات الأخيرة وظهرت النتائج بلا غالب حاسم بسبب تعدد التكتلات تقدم فيها علاوي بمقعدين فقط. النتيجة المبعثرة كانت احتمالا متوقعا إلا للمالكي الذي لا أدري من أقنعه بأنه المنتصر الوحيد المحتمل. ومنذ ذلك اليوم وهو جالس على الكرسي يطالب بإعادة الفرز، ويحتمي خلف هيئة المساءلة والعدالة التي اخترعت بدعة شطب نتائج الفائزين لأنهم بعثيون من أجل تغيير معادلة النتائج وإرجاع منافسه الفائز إياد علاوي إلى الوراء.
وليس غريبا أن يتمسك المالكي بالكرسي، فهذه حال معظم الحكام العرب، وبذلك يهدد كل العملية السياسية، ويعرض كل العراق للخطر. وهو اليوم يحاول إخافة العراقيين من إقحام الأمم المتحدة التي هي مشرف أساسي على الانتخابات، ومراقب على إجراءاتها، ولا يزال العراق تحت البند السابع الذي يخول لمجلس الأمن الكلمة الأخيرة. والمالكي محق بالفعل بأنه لا حاجة لإقحام الأمم المتحدة، لكن المشكلة أنه السبب عندما يسعى إلى تغيير نتائج الانتخابات المعلنة، وبالتالي يضطر الفريق الذي حصل على المرتبة الأولى أن يطلب النجدة من الجهات المشرفة على الانتخابات. والمالكي يريد إعادة فرز النتائج دون أن يضمن أن تعد الأصوات في مناخ شفاف وتحت رقابة مقبولة لكل الأطراف لا للمالكي وحده. ونحن لا نفهم ماذا أصابه لكي يثير كل هذه الإشكالات، خصوصا أنه لا يوجد فائز واحد قادر على تشكيل حكومة لوحده، بل إن علاوي أو المالكي أو غيرهما لا يستطيع أن يكون رئيسا للوزراء ولا تشكيل حكومة من دون ائتلاف مع فرقاء آخرين.
ولا ننسى أنها كانت انتخابات مفتوحة، أديرت من قبل أجهزة بمعرفة وموافقة حكومة المالكي، وهي التي صدقت على النتائج التي جاءت بلا منتصر واضح. وعدم حصول مرشح على رقم سحري كبير ربما في صالح العراق حتى يضطر السياسيون إلى تشكيل حكومة تمثل الجميع وتضطرهم للعمل معا في السنوات الأربع المقبلة كفريق لا كحاكم منفرد بأمره، وستكون مهمة صعبة لرئيس الوزراء المقبل لكنها تظل معادلة جيدة للعراق في مرحلة البناء السياسي الحالية.
التعليقات