راجح الخوري

مرة اخرى تقرع واشنطن طبول صواريخ سكود بحماسة تتجاوز كل ما اثارته اسرائيل من ضجيح حول هذا الموضوع، الذي لا يزال يفتقر الى القرائن والادلة بعد اكثر من اسبوعين على اثارته!
ربما كان على وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ان تتأمل قليلاً في الواقع الراهن، الذي يثير ريبة المنطقة، قبل ان تحذّر ايران وسوريا من ان التزام الولايات المتحدة امن اسرائيل لا يهتز، وان على طهران ودمشق ادراك عواقب تهديد الدولة العبرية.
هذا كلام ينافي الواقع ويُسقط كل صدقية عن السياسة الاميركية في المنطقة، بل انه يعمّق الكراهية حيال اميركا، في وقت تسعى ادارة الرئيس باراك اوباما لدفع عجلة التسوية المعطلة كما هو معروف.
إنه ينافي الواقع ربما لأن على اميركا اولاً ان تعترف، ولو لمرة واحدة، بأن الذي يهدد امن المنطقة هو اسرائيل التي لم تتوقف قط عن شن الحروب والتوسّع، وثانياً ان تدرك عواقب العدوان الاسرائيلي الدائم، ليس على الكيان الاسرائيلي وحده بل على صورة اميركا وصدقيتها في العالمين العربي والاسلامي، اللذين يحاول اوباما الآن ان يجد مساحة ارحب للتصالح معهما.


❑ ❑ ❑

واذا كانت اميركا حرة في ان تلتزم امن اسرائيل، وان تؤكد دائماً ثبات هذا الالتزام، فإنها ليست حرة على الاطلاق في ان تقوم بحراسة اسرائيل التي تمارس سياسة العدوان في المنطقة بالسلاح والدعم الاميركيين!
كانت قضية صواريخ سكود قد اخذت بالتراجع نسبياً في الايام القليلة الماضية، بعدما اثارت زوبعة من المخاوف والتحذيرات رافقتها تهديدات خلّفت توجساً عميقاً في لبنان، وهو ما اطلق حملة اتصالات واسعة قادها رئيس الحكومة سعد الحريري، وهدفها ممارسة أقصى الضغوط على تل ابيب لمنعها من شن عدوان جديد ضد لبنان وسوريا.
فجأة عادت واشنطن الى الاثارة عندما وزّعت كلينتون مقتطفات من كلمة كانت ستلقيها امام اللجنة الاميركية ndash; اليهودية، وفيها ان نقل اسلحة متطورة بينها صواريخ الى quot;حزب اللهquot; في جنوب لبنان والى حركة quot;حماسquot; في قطاع غزة يمكن ان يشعل نزاعاً جديداً في الشرق الاوسط.
ولم تتوان عن الحديث عن quot;تهديدات حقيقيةquot; تواجه اسرائيل من سوريا وايران وquot;حزب اللهquot; وquot;حماسquot;، وان واشنطن مصممة على تغيير هذا السلوك، بينما من الواضح تماماً ان اسرائيل هي التي تمثل التهديد الحقيقي في المنطقة.


❑ ❑ ❑

يأتي كلام وزيرة الخارجية في وقت تمضي اسرائيل بعيداً في استغلال تصريحات وزير الدفاع روبرت غيتس الذي سبق ان قال قبل ايام quot;إن لدى quot;حزب اللهquot; صواريخ اكثر من معظم دول العالم، وهذا امر مقلق بالتأكيدquot;!
كان واضحاً تماماً ان تصوير quot;حزب اللهquot; وكأنه قوة عظمى يساعد عملياً في توفير الذرائع التي تحتاج اليها اسرائيل لشن حرب جديدة تزعم انها وقائية او لمجرد الدفاع في وجه هذا الطوفان الصاروخي.
ولكن تقارير ديبلوماسية كثيرة في واشنطن وحتى في تل أبيب اشارت الى ان اجهزة استخبارات غربية عدة وبينها اميركية ليست قادرة على ان تؤكد بشكل مستقل اي تفاصيل عن تزويد سوريا quot;حزب اللهquot; صواريخ سكود.
على هذا الاساس كانت التحذيرات التي أطلقتها كلينتون اشبه بالنفخ في نار مفتعلة ولكنها تخبو، وهو ما يثير مزيداً من المرارة العربية حيال سياسة واشنطن، التي طالما أوحت في الاسابيع القليلة الماضية ان هناك اشتباكاً قوياً بين ادارة الرئيس اوباما وبنيامين نتنياهو على خلفية الدعوة الى وقف حركة الاستيطان تمهيداً لاستئناف المفاوضات على المسار الفلسطيني، فكيف يمكن ان تؤثر الضغوط الآن على تل ابيب عندما تستمع الى مواقف كلينتون او غيتس، الذي جعل quot;ترسانةquot; quot;حزب اللهquot; الصاروخية تهديداً لا يتوقف حتى عند حدود اسرائيل؟!