سركيس نعوم

علَّقت سوريا بشار الاسد آمالاً عريضة على انتخاب باراك اوباما رئيساً للولايات المتحدة في خريف العام 2009. اذ اعتقدت من متابعة مواقفه الشرق الاوسطية التي أعلنها خلال حملته الانتخابية، ومن التدقيق في خلفيته السياسية وquot;العنصريةquot; وفي جذوره الدفينة، انه سيكون مختلفاً عن الرئيس الذي سيخلفه أي جورج بوش الابن الذي كانت سياسته بالغة السلبية ضدها بل ضد المطالب العربية الكثيرة المحقة، وفي مقدمها ممارسة رعاية اميركية فعلية لتسوية اسرائيلية ndash; فلسطينية وعربية شاملة. وبدا لها في السنة الأولى من ولايته ان الآمال المشار اليها لم تكن بعيدة عن الواقع. فالمواقف التي اطلقها خلال جولاته الخارجية وابرزها في القاهرة، والخطوات التي اتخذها لإعادة سفير اميركي الى دمشق، وقراره بدء حوار جدي مع القيادة السورية وتنفيذ هذا القرار - كل ذلك جعل المسؤولين الكبار في العاصمة السورية يقتنعون بأنهم صاروا قريبين من تطبيع جدي مع اميركا وتالياً من انخراطها في سعي جدي للسلام بين بلادهم واسرائيل يعيد اليها الجولان المحتل منذ عام 1967. وما رسخ الاقتناع هذا كان الانفتاح الاوروبي الواسع وإن متدرجاً على سوريا.
لكن هذه الآمال يبدو انها سائرة في طريق التبدد استناداً الى عدد من الباحثين والمتابعين الاميركيين للأوضاع في سوريا ولتطور علاقتها باميركا. فعلى الصعيد الاسرائيلي ndash; العربي لم تقنع ممارسات الرئيس اوباما القيادة السورية بقدرته على ممارسة الضغط اللازم على اسرائيل لكي quot;تعتدلquot; في quot;تعاملهاquot; مع الفلسطينيين أو مع سوريا. كما ان قيامه بتمديد أو تجديد العقوبات الاميركية على سوريا ومبادرة جهات معروفة في الكونغرس الى quot;تعقيدquot; عملية اعادة السفير الاميركي الى دمشق عززا عدم الاقتناع المشار اليه.
كيف واجهت سوريا هذا الواقع المتنامي سلباً في علاقتها مع اميركا وكيف ستواجهه مستقبلاً؟
واجهته بتأكيد تحالفها الاستراتيجي مع ايران وحلفائها أو ربما اذرعها في المنطقة الذين كانوا أحد أبرز اسباب قوتها وتالياً صمودها بين 2005 و2009 أمام الهجمة الاميركية ndash; الفرنسية ndash; العربية عليها. وواجهته ايضاً بتثبيت علاقتها مع تركيا (الاسلامية) وبالعمل لتحويلها تحالفاً في مستقبل قد لا يكون بعيداً. وواجهته ثالثاً بمحاولة تكوين محور اقليمي مهم يضم اليها والى ايران تركيا وقطر. وهي ستستمر في مواجهته باستعمال كل الوسائل التي من شأنها زيادة كلفة الانحياز الاميركي الى اسرائيل على اميركا كلها. وهي تستطيع ان تفعل ذلك استناداً الى الباحثين والمتابعين الاميركيين أنفسهم بطريقتين: الأولى، شن حملات سياسية واعلامية على الدول الشرق الأوسطية الحليفة لواشنطن، ولا سيما العربية منها، وذلك بتصويرها خائنة quot;للقضيةquot;، وفي الوقت نفسه بذل الجهود الممكنة لجعل شعوبها أكثر راديكالية في محاسبتها سواء لأميركا أو لأنظمتها. والهدف من ذلك هو إما دفع ادارة اوباما الى اتخاذ قرار نهائي بالجهة التي ستصطف معها وإما دفع بعض حلفاء اميركا وفي مقدمهم العرب الى تعديل مواقفهم السلبية حيال سوريا واستطراداً ايران والى التقليل من ايجابية مواقفهم حيال اميركا.
وقد اعطت هذه الطريقة بعض النتائج. فالعربية السعودية وضعت مسافة بينها وبين اميركا وانفتحت على الصين وروسيا. وعلاقاتها مع سوريا تحسَّنت وخصوصاً بعدما اتفقا على اكثر من موضوع عراقي وعلى quot;تناسيquot; الرياض الموضوع اللبناني. وترجمت دمشق ذلك بمساعدة السعودية في مواجهتها الحوثيين في اليمن من خلال علاقتها بايران. والاردن ايضاً بدأ يعمل على تحسين علاقاته السورية. إلّا ان مصر لا تزال quot;معنّدةquot; ورافضة انفتاحاً على سوريا quot;يشيحquot; النظر عن اخطائها السابقة في نظر القيادة المصرية سواء في حق لبنان أو في حقها هي وخصوصاً بعدما خوَّنتها واتهمتها بالمشاركة في ذبح فلسطينيي غزة.
أما الطريقة الثانية التي ستواجه بها سوريا، ويبدو ان سلوكها بدأ، تنامي السلبية في علاقتها مع اميركا، فهي quot;العودةquot; الى روسيا حليفتها يوم كانت سوفياتية. أو هي استدراج عودة روسيا اليها. وطبعاً لا تمانع القيادة الروسية في ذلك وخصوصاً بعدما بالغت اميركا جورج بوش الابن في محاولة تهميشها دوراً وquot;عظمةquot; وقوة، ورغم محاولة خلفه اوباما ترتيب العلاقة معها بعد تفهمه لأسباب توترها. وعدم الممانعة هذا يعود الى ان القيادة في موسكو تريد مزيداً من الخطوات الاميركية التي تجعل شراكة بلادها مع اميركا حقيقة لا يمكن العودة عنها بسهولة. وتفسح المناخات السائدة في المنطقة في المجال امام العودة الروسية الى الشرق الأوسط من باب عريض وخصوصاً اذا انضمت تركيا الى سوريا (ومحورها الاقليمي الاساسي) جراء تفاقم تدهور علاقاتها مع اميركا ومع اسرائيل. وبذلك يبدو كأن اسرائيل الحليفة لاميركا صارت مثل حبل يُطوِّق عنقها وربما يؤدي الى خنقها. ولا شيء يمنع، في رأي المتابعين والباحثين الاميركيين انفسهم ان تنضم الصين وفي مرحلة غير بعيدة الى نادي الدول المستفيدة من تعثر اميركا في المنطقة لتحقيق توازن معقول معها.
هل ينجح ذلك كله؟
يجيب المتابعون ان عودة التوازن المذكور يعيد الاستقرار والامن والتوازن الى الشرق الأوسط. لكنهم يلفتون الى ان المبالغة في الاعتماد على استهداف اميركا بواسطة روسيا ولاحقاً الصين وخصوصاً من سوريا وايران وغيرهما قد لا تحقق النتائج المرجوة. وربما يتحقق عكسها. لأن الدولتين الكبيرتين تعرفان ان اميركا تسبقهما في مجالات حيوية عدة على الأقل مدة عقد من الزمن او لأكثر وبكثير. والقيادة السورية تعرف ذلك. لكنها قد تكون مستعدة وخصوصاً بعد حلفها مع ايران للرهان معها على الزمن. الا ان السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل تعتقد روسيا والصين ان quot;الصراعquot; مع اميركا سيقتصر على الشرق الأوسط وان مناطق نفوذهما الاخرى ستبقى بمنأى عنه؟