محمد صالح المسفر
غالبا ما تكتسب شعوب العالم المقاتلة في سبيل استرداد حقوقها ونيل استقلالها عطف الرأي العام العالمي وتضامنه معها من خلال تجسيد للبطولات وفرضها لاستمرارية القتال الضاري بوجه أعدائها، ولقد لمسنا هذا النموذج عند الثورة الفيتنامية، والجزائرية، الجنوب العربي ضد الاحتلال البريطاني، و الفرنسية ضد الاحتلال النازي لفرنسا، ولعله من المفيد أن نمعن النظر في الشأن الفيتنامي، لقد جسد الفيتناميون مساندة بعضهم بعضا حين وقفت (هانوي) ظهيرا في الشمال لشعبها المقاتل في الجنوب، ثم حين جسد شعب الجنوب الفيتنامي روح المقاومة والبطولات الرائعة.
ذلك النموذج، أن تفرض نفسك على العالم عبر التزامك النضالي بقضيتك ومهرها بنزيف الدم الطوعي . ان العالم في تلك الحالة لا يملك سوى احترام الإطار القومي كله لأنه متفاعل ببعضه ومتوحد في التزامه فان يأتي وقتها مفاوض أو مساوم من أمريكا إلى هانوي مثلا فانه لن يسمع إلا ما كان سيقول به من يقاتل في ارض الجنوب الفيتنامي، فلا تمايز في المواقف بين من يقاتل في الجبهة ومن يسانده في دهاليز السياسة.
كنت أتمنى أن يكون حال الشعب الفلسطيني في مقاومته للاحتلال الصهيوني كحال الفيتناميين مقاوما مدعوما بكل وسائل الدعم المادي والمعنوي، ومفاوضا مدعوما بشدة المقاومة وعنفها للمحتل ولكن شتان بين المقاومتين. المقاومة الفيتنامية نجحت في تحقيق أهدافها بالرغم من تعدد وجهات النظر، لكن عندما يكونون أمام الطرف الآخر فانهم وحدة واحدة متحدة منتظمة منسجمة رغم ما في الصدور من خلافات. أما المقاومة الفلسطينية (فتح) كما قال احد قادتها مهمتها 'التوريط والتفريط' لهذا اختلفت الأهداف للمقاومة الفلسطينية من تاريخ توقيع اتفاقية أوسلو المشؤومة عام 1993 وحتى الانتخابات التي أتت بحركة حماس إلى الصف الأمامي في صفوف العمل الوطني الفلسطيني.
( 2 )
في مطلع الأسبوع انعقد في الدوحة مؤتمر بمناسبة إعلان تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية في فلسطين للعام 2009/2010 وحظي التقرير بمناقشات جادة من قبل جمهور المؤتمر، ولقد هالني وأحبطني ما قال به مقدم التقرير السيد سفيان مشعشع عندما أكد قوله أكثر من مرة بان 'المقاومة لن تحرر فلسطين'، واستمر في القول بان الشعب الفلسطيني فقد الأمل في التحرير وعلينا أن نركز على التنمية الإنسانية أو الأمن الإنساني ومؤداه كما ذكر التقرير 'الأمن ألاقتصادي، الغذائي، والصحي، والبيئي، والسياسي، والشخصي، والمجتمعي' وافهم من ذلك أن السيد مشعشع لا يعطي أهمية للأرض والحق الطبيعي للإنسان في أرضه ومياهه وأجوائه وإنما اهتمامه ينصب على 'أعلاف' المواطن الفلسطيني لان مهمة التحرير لم تعد ذات جدوى.
تجارب الشعوب تثبت عكس مقولة السيد مشعشع وقد أتيت على ذكر بعض تلك التجارب أعلاه، واذكره بقول المؤسسين الأوائل للكيان الإسرائيلي في فلسطين الآتين من خلف البحار إلى فلسطين على أي أساس إقامة دولة لهم في فلسطين،؟ لماذا لم يكتفوا بالأمن الإنساني في أوروبا والحياة هناك، أليست حجتهم إنهم كانوا هنا منذ ثلاثة آلاف عام وأنهم عادوا إلى ارض الميعاد معتمدين على حجج تاريخية ودينية مزورة؟ وأنت صاحب الحق تعطيهم حق ما ليس لهم فيه حق.
إن التقرير في مجمله يصب بطريقة أو أخرى في فلسفة ' السلام الاقتصادي ' الذي تدعو القيادات الصهيونية إلى تحقيقه في فلسطين. انه معول هدم لكل تطلعات الشعب الفلسطيني المقاوم . انه اكتمال لمنهج مدرسة التيئيس التي تقودها سلطة رام الله.
إن المداخلات للبعض تبعث على القنوط واليأس عند الفلسطيني، وهناك جهود مضنية تدفع بهذا الاتجاه بهدف القضاء على ثقافة المقاومة.
المحزن في الأمر أن المجتمع المدني في أوروبا يقاطع الجامعات الإسرائيلية، والإنتاج الزراعي للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية ويسيرون بواخر بحرية وقوافل برية لكسر الحصار عن غزة رغم كل المخاطر على حياتهم، بينما سلطة رام الله تطالب المعلمين والقضاة والأطباء والصيادلة في غزة بالامتناع عن العمل ومرتباتهم الشهرية ستصل إليهم كعادتها في كل شهر. وسؤال المواطن العربي لماذا لا تقوم السلطة بمنع جميع العمالة الفلسطينية من العمل لصالح الاسرائيليين، على أن تعوضهم ماليا، كما فعلت في قطاع غزة، وذلك بدلا من الإنفاق على جيش فلسطيني يحرس قطعان المستوطنات. قد يجادل البعض بالقول ستحل عمالة آسيوية أو أوروبية شرقية محل العمالة الفلسطينية الرد على ذلك القول ان الجيش الاسرائيلي سيتحول من العدوان على الشعب الفلسطيني إلى حماية العمالة الأجنبية وقطعان المستوطنات، وإذا اعتبرت المقاومة أن هذه العمالة الأجنبية ضمن جيش العدو فإنهم سرعان ما يغادرون الأرض المحتلة.
آخر القول: أملنا في جيل المقاومة الصاعد، أما جيل تجار الوطنية فقد افل نجمهم والى الابد.
التعليقات