راجح الخوري

لم يعد كافياً الاستمرار في إطلاق الوعود الزهرية. quot;نحن قادرون على التغييرquot; يقول باراك أوباما، منذ بدء حملته الانتخابية حتى الآن، اي بعد مرور عام ونصف عام تقريباً على تولّيه الرئاسة الأميركية. لكن العالم، وخصوصاً الشرق الأوسط، لم يلمس تغييراً حقيقياً عملياً في سياسات الولايات المتحدة.
ولأن التغيير في النهاية عمل يتناول جوهر المواقف والسلوك، لم يكن كافياً ان يذهب أوباما الى أكاديمية الجيش في quot;وست بوينتquot; ليعلن في خطاب رئاسي وضْع شاهد على قبر نظرية سلفه جورج بوش، حول quot;الحرب الاستباقيةquot; التي طالما استندت الى غطرسة القوة القائمة على quot;خصوصية أميركا الدوليةquot;، داعياً الى إرساء قاعدة للعلاقات بين الدول أساسها quot;مفهوم الشركةquot; وتعتمد quot;الديبلوماسية والتشاورquot; منطلقاً لنظام عالمي.
كان أوباما يخاطب جنوداً ذاهبين الى افغانستان، وهذا ما أضفى نوعاً من المفارقة على مضمون دعوته الى التغيير عندما قال: quot;نحن نعرف تقصير النظام الدولي لكن أميركا لم تنجح عندما تصرّفت خارج هذا النظام وخارج تيارات التعاون الدولي، وان كنا قد نجحنا في تغيير هذه التيارات نحو الحرية والعدل...!
واذا كان المراقبون قد لاحظوا ان أوباما تحدث الى الجنود في القاعة إياها التي وقف فيها بوش قبل 10 أعوام معلناً نظرية quot;الحرب الاستباقيةquot; بعد اشهر على هجمات 11 أيلول 2001، فإن صحيفة quot;واشنطن بوستquot;، وجدت ان الرئيس الأميركي يسوّق لاستراتيجية أمنية جديدة، يمكن أن تفضي الى قيام تحالفات من شأنها ان تحسّن صورة أميركا في الخارج، وخصوصاً انها تخوض حربين في افغانستان وباكستان وتستعد للخروج من حقول الدم والقتل في العراق، في وقت تتلقى إنذارات كراهية إرهابية في الداخل كان آخر معالمها النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب والأميركي الباكستاني فيصل شاه زاد.

❐ ❐ ❐

قد يكون من المفيد تماماً أن ينتقل المراقب من قراءة كلام أوباما عن نظام عالمي جديد يعتمد الديبلوماسية والتشاور، الى قراءة كلام الرئيس بشار الأسد بعد استقباله وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير، حيث وجّه انتقادات صريحة لمقاربة الغرب وسياساته في المنطقة قائلاً: quot;ان على الغرب ان يدرك ان المنطقة قد تغيّرت. وان اللغة والسياسات والمقاربات التي كان يستخدمها سابقاً مع المنطقة لم تعد مقبولة. ولم يعد مقبولاً أيضاً الصمت عن خروق اسرائيل وزرعها فتيل الفتنة في المنطقةquot;.
سياق المآسي في فلسطين والشرق الأوسط وسياق سياسة الانحياز ndash; الأميركية الى اسرائيل تشكل أساساً ومنطلقاً للارتفاع المتزايد في منسوب العداء والكراهية من شعوب المنطقة حيال واشنطن ومعظم الدول الغربية. وليس سراً ان هناك الآن على الأقل، ما يشبه quot;الاقنية المتصلةquot; بين قضية فلسطين وأزمة الشرق الأوسط وبين تفشي رقعة العداء والكراهية لأميركا والغرب لتشمل العالم الاسلامي كله.
فاذا كانت اميركا تعرف هذا وتتغاضى عنه فتستمر في الانحياز الى اسرائيل ودعمها وحمايتها وتسليحها وعدم ممارسة ما يكفي من الضغط عليها للقبول بتسوية سلمية عادلة وشاملة ودائمة، وهو ما يظهر جلياً الآن، فتلك مصيبة على المنطقة وعلى أميركا أيضاً، واذا كانت لا تعرف كل هذا فالمصيبة أعظم!
على هذا الأساس، عندما يقول الأسد اذا أراد الغرب قيام الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط عليه ان يضطلع بدور فاعل يلجم اسرائيل ويحد من توجهاتها المتطرفة والخطيرة على أمن المنطقة وسلامها، فإن من الضروري أن يلاحظ البيت الأبيض كيف يختفي الآن صوت جورج ميتشل الخافت اصلاً، وسط دوي قرع طبول الحرب في اسرائيل، ربما لكي يعي لماذا تتفشى رقعة الكراهية ضد اميركا الى هذا الحد.

❐ ❐ ❐

لقد تحرك العالم كله تقريباً في الاشهر الماضية لمواجهة التهديدات الاسرائيلية للبنان على خلفية موضوع صواريخ سكود الذي أثارته تل ابيب، لكن اميركا التي تُغرق اسرائيل باحدث الصواريخ بقي صوتها خافتاً نسبياً، واذا كان أوباما يريد التغيير فالتغيير يبدأ من فلسطين والشرق الأوسط.
وعندما يلتقي سعد الحريري أوباما ثم يقف متحدثاً باسم لبنان والعرب أمام الامم المتحدة، فانه سيشرح الأبعاد والمندرجات للشعار الذي طالما ردده خلال جولته العربية التي سبقت سفره الى اميركا، وهو ضرورة تبني اميركا والأسرة الدولية استراتيجية هدفها إقامة سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط، انطلاقاً من مبدأ الارض مقابل السلام وquot;المبادرة العربيةquot; التي تستند في جوهرها إلى قرارات الشرعية الدولية.
نعم المنطقة تغيرت وعلى أوباما المنادي بالتغيير ان يغير فعلاً لا قولاً!