أحمد عبد الملك

على مدى أربعة أيام ناقش ناشطون خليجيون في بروكسل قضايا حقوقية وسياسية تتعلق بالأوضاع في منطقة الخليج مع مسؤولين من الاتحاد الأوروبي وسفراء دول الاتحاد في بروكسل. ومنظمة العفو الدولية، والمفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي.

وقد استمع مندوبو الاتحاد الأوروبي -من 27 دولة عضو في الاتحاد- لوجهات نظر الوفد المدني الخليجي، التي تمحورت حول قضايا التحول المدني، وحرية التعبير، والحرية الدينية. حيث قدم الوفد الخليجي عرضاً شاملاً لحقيقة الأوضاع في القضايا المذكورة.
وكانت منظمة quot;مد الجسورquot; Bridging The Gulf قد نظمّت هذا الاجتماع المهم كي يستمع مندوبو الاتحاد الأوروبي وأعضاء منظمات المجتمع المدني ومنظمة العفو الدولية إلى وجهات نظر العاملين في منظمات المجتمع المدني في دول مجلس التعاون. وقدمت quot;أمل فان هيسquot; رئيسة منظمة quot;مد الجسورquot; المحاور الرئيسية التي يواجهها ناشطو المجتمع المدني في الخليج. وأشارت إلى وجود خلافات مجتمعية حول الممارسات الدينية. ودعت quot;هيسquot; إلى ضرورة أن تبادر دول المنطقة لدعم التناغم الوطني الذي يقضي على كافة أشكال التمييز وفقاً للمواثيق الدولية؛ ورفع أية عوائق تحول دون تحقق الوحدة الوطنية مع مواجهة أية اتجاهات سلبية تجاه الأقليات. كما أشارت quot;هيسquot; إلى الإجراءات الإيجابية التي تحققت في بعض دول المجلس مثل حوار الأديان وبث قيم التسامح ورفض دعاوى الكراهية أو تجزئة المجتمع على أساس طائفي. كما دعت إلى دعم المشاركة السياسية التي تعتمد في الأساس على الولاء للوطن ورفض كل أشكال التجزئة والتفرقة. ذلك أن تحقيق الأمن والاستقرار يعتمد في الأساس على إزالة كل أسباب التوتر داخل المجتمع الواحد.

وقدّم الوفد الخليجي عرضاً للصعوبات التشريعية المختصة بالعمل المدني، وأن هذه الصعوبات تحدّ من عمل منظمات المجتمع المدني. كما أن التشريعات المنظمة لعمل الجمعيات فيها بعض القيود التي تحدّ من عمل الجمعيات، بل إن تنظيم لقاءات ومحاضرات عامة ينبغي أن يكون بموافقة الجهة المختصة. وأوضح الوفد الخليجي أن هنالك معوقات للعمل المدني تتلخص في الآتي: حظر تعامل هذه المنظمات مع الشأن السياسي، وعدم اتصالها مع نظيراتها في الخارج، وصعوبة الوصول إلى المعلومات.

ووضع الوفد الخليجي تصوراته في شكل توصيات لمجموعة من القضايا لدول الخليج ذاتها، وكذلك توصيات للجانب الأوروبي للتداول بشأنها مع الوزراء الخليجيين أو منظمات المجتمع المدني في دول الاتحاد.

وفي محور حرية التعبير وقد يتعرض لها الإعلاميون والكُتاب جراء أداء مهامهم؛ رأى الوفد الخليجي أن الدساتير -في الغالب- تنص على حرية التعبير والنشر، ولكن المشكلة في أن القوانين المفسّرة للنص الدستوري قد تحدّ من تلك الحرية. كما أن بعض القوانين قد تفسر على أكثر من وجه، وخاصة أن كل النصوص الدستورية تلحق بجملة (وفقاً للقانون). ويرجع إصدار الصحف إلى القرار السياسي. كما أن إصدار الصحف في بعض دول المجلس يحتاج إلى موافقة البرلمان أو المجلس التشريعي؛ أو يحتاج إلى موافقة الوزير المختص في بقية بلدان الخليج الأخرى.

وفي اللقاء مع أعضاء البرلمان الأوروبي شرح الوفد الخليجي بضع قضايا ذات علاقة بحقوق الإنسان وقضايا المجتمع المدني. وطالب بأن تكون تلك القضايا على جدول أعمال اللقاء الوزاري المشترك للاتحاد الأوروبي مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الذي يعقد في يونيو القادم.

ولعلها تكون المرة الأولى لبعض الخليجيين للتواجد في مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل، الأمر الذي يشكل نقلة نوعية في تفهم نوعية الحوار وأساليب التداول في القضايا المهمة التي يندر أن يتداولها الإعلام أو المجالس في دول المجلس.

كما استمع الأوروبيون -ربما لأول مرة- لوجهات نظر مدنية، عن الأوضاع في منطقة الخليج، وكان الرأي الأوروبي واضحاً في هذه المسألة، حيث إنهم يصرُّون على أن العلاقة بين الطرفين الأوروبي والخليجي ينبغي أن ترتكز على المصالح، وعدم تجاهل القيم. وهذا موضوع قديم جداً -ويعود لأكثر من 22 عاماً عندما بدأت المفاوضات بين الطرفين- حيث يرى الجانب الأوروبي في توقيع اتفاقية التجارة مع مجلس التعاون، أن تشتمل على قضايا حقوق الإنسان، بينما يرى الجانب الخليجي ضرورة فصل الموضوعين وأن يكون موضوع حقوق الإنسان في اتفاقيات غير اقتصادية. وهذا ما أدى إلى تأجيل توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الطرفين.

وكان مندوب quot;نادي مدريدquot; نيكولاس روجي قد أشار إلى النشاطات التي يقوم بها النادي لدعم قضايا حقوق الإنسان في العالم، مبرزاً أن التركيز في الآونة الأخيرة كان حول: وضع منظمات المجتمع المدني، وحرية التعبير، والحرية الدينية.

وفي اللقاء في المفوضية الأوروبية تحدث نائب مدير إدارة العلاقات مع مجلس التعاون والعراق واليمن وإيران موضحاً أن الاتفاقية الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون لا تعني شيئاً ما لم يحصل شيء على أرض الواقع. ونحن نعمل من أجل مصالحنا، هذا صحيح، لكننا لا نتنازل عن قيمنا. التجارة مهمة لنا، لكننا نركز على القيم. وعبر هذا الأسلوب نستطيع أن نفهم بعضنا بعضاً.

والحال أن لقاءات بروكسل فتحت شهية الأوروبيين للتعرف أكثر على القضايا التي عادة لا تُطرح في اللقاءات الرسمية بين الجانبين. إذ يتم التركيز في مثل تلك اللقاءات على القضايا السياسية والاقتصادية؛ ومحاربة الإرهاب، دون التطرق إلى قضايا التحول المدني وحقوق الإنسان.

والراهن أن هنالك إلحاحات مهمة في المنطقة، لعلها تتلخص في الآتي:

- إعادة النظر في بعض التشريعات التي قد تتعارض مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.

- تعديل التشريعات التي قد تحدّ من عمل مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات.

- حقوق الأقليات.

- حرية التعبير واحتكار الإعلام.

- قوانين الجنسية.

وفي المحصلة عاد الوفد الخليجي الناشط في مسألة حقوق الإنسان والتحول المدني بعد أن أودعَ في البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية وجهة نظره حيال قضايا المنطقة.