هتون أجواد الفاسي

أفردت صحفنا صفحات وصفحات اليومين الماضيين للحديث عن دور النساء في تنظيم القاعدة لاسيما في الجزيرة العربية بعد تهديد أحد أعضائها الهاربين، سعيد الشهري زعيم التنظيم في اليمن من خلال تسجيل بثته العربية يوم الأربعاء 2يونيو 2010، بتصعيد الحرب على الدولة بقتل شخصيات سعودية مهمة انتقاما لاعتقال امرأة من الواضح أنها قيادية في تنظيمهم تدعى quot;هيلة القصير(أم الرباب)،quot;، وكشفت الأوراق عن اسمين آخرين لنساء يتولين أعمالاً لوجستية وإلكترونية تنظيمية.

وأرى أن من أهم التحليلات التي شاهدناها كان تحليل الباحثة في كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز للأمن الفكري الأستاذة بينة الملحم في جريدة الرياض السبت 5/6/2010، التي سوف نأتي على كثير مما قالته، لكني في البداية أود طرح سؤال حول السبب الذي أخرج هذه القصة إلى السطح ، فالدولة أدركت مبكراً أن هناك دوراً للنساء في هذا التنظيم أعلنت عنه القاعدة من خلال عدد من التسجيلات التي تُظهر النساء وهن يتدربن على الرماية بالتحديد ، لكن قاعدة الجزيرة وتصريح الشهري الذي جرى من يومين والذي هدد وتوعد فيه على الرغم من أن عملية القبض على هذه المرأة تتم في بريدة في فبراير أي قبل نحو ثلاثة أشهر، فما الذي أثار التنظيم ليتذكر أن ينتقم بعد مضي هذه الفترة؟ وما الذي توصلت إليه الدولة من خلال القبض عليها؟ وهل استطاعت الوصول عن طريقها إلى نساء أخريات أو معرفة بآلية تحركهن؟

مهما كانت الإجابة فإنه موضوع مهمٌ إثارته وهو مشاركة المرأة في التنظيمات الإرهابية لعل خطوات عملية يمكن أن تُتخذ للسيطرة على الأمر الذي يبدو كثير التفلت.

لطالما كنتُ أتساءل بيني وبين نفسي ومع من يتفق الالتقاء بهم من المختصات والمختصين في الإرهاب حول تعليلهم لسبب مشاركة المرأة في هذه التنظيمات لاسيما من خلال العمليات الانتحارية كحالة العراق وتفجير أنفسهن في أوساط مدنية وكلها نساء وأطفال مما يتناقض مع الصورة النمطية لنا عن المرأة وقربها العاطفي من الأسرة من جانب، ومع النظرة الدونية التي تنظرها هذه التنظيمات ونصوصها إلى المرأة والتي تحدد وظيفتها ومكانتها من السلم الاجتماعي لتلي الرجل دوماً. وكانت الردود متفاوتة ومتعلقة بالدرجة الأولى بظروف اجتماعية قاسية تكرّس تهميش المرأة وضيمها المرتبط بعنف أسري أو حرمان من أطفال أو تعليق دون طلاق أو اعتداء وغيره من الظروف الاجتماعية المعروفة والتي تُضعف البيئة القانونية في البلاد العربية عن حلها والتعامل معها وتحولها إلى قنبلة موقوتة ولقمة سائغة في يد من يعطيها أملا بحياة أفضل في عالم آخر، ومن يعطيها الفرصة للانتقام من المجتمع الذي ساعد على إيقاع الظلم بها أو وقف متفرجاً على ما يقع عليها.

أما الحالة السعودية فيبدو لي أنها أكثر تعقيداً على ما في الحالة العراقية من تعقيدات قائمة، ذلك أن هناك أكثر من بُعد يساعد في عملية التجنيد في مجتمعنا أشارت إليها بينة الملحم من بينها: استغلال قيم وأعراف المجتمع القائمة، انعدام استقلالية فكر المرأة لاسيما في الأوساط التي تعتبر المرأة جزءاً من أملاك الرجل، تدني الوعي الثقافي للمرأة كذاتٍ مستقلة، قضية المحرم في الفكر السلفي الجهادي وكيفية استغلالها له من خلال إستراتيجية quot;المصاهرة الجهاديةquot;.

ولعل الصعوبة الأساسية التي تكمن في تشخيص أو ملاحظة مؤشرات التطرف هي ما ذكرته بينة بأنه مختلط بخصوصيتها المجتمعية quot;وتداخل الخصوصية لاسيما الشكلية الظاهرية منها مع كثير من القيم الشرعية والدينية التي اختطفها الفكر الإرهابيquot;. فهذه على سبيل المثال تشكل أسهل طريقة للتخفي إذ يمكن للرجل التسلل تحت غطاء زي المرأة الذي يعتبر ذروة الستر، من العباءة الكاملة من الرأس إلى القفازات إلى الجوارب دون أن يُكتشف إلا في حالات معدودة، وأمثلة ذلك كثيرة وما مرّ لايمكن حسابه.

فإلى أي مدى يمكننا أن نتحدى هذه العادات تحت قضية محاربة الإرهاب والتطرف الفكري؟ وكيف يمكن أن نميز بين ماهو عرف ، وبين ما هو شرع في ظل الخلافات الفقهية المطروحة على الساحة؟

لاشك أن هذه ليست الإشكالية الوحيدة ولكنها أحد الأوضاع التي تتطلب مراجعة حتى لأخص التفاصيل الثقافية وأكثرها خصوصية وحساسية لتنقية ما يمكن تنقيته مما يُستغل ويُضاف بدعاوى مختلفة كسد الذرائع. وبالمقابل أتساءل عن دور هذا المبدأ الفقهي في القيام بوظيفة عكسية وهل يمكنه اعتبار أن من سد الذرائع كشف المرأة عن وجهها وإظهارها لهويتها؟

آمل ألا يتحول هذا السؤال الاستفساري إلى باب لكيل اتهامات غير مسؤولة.