زين الشامي

رفض الرئيس الأميركي باراك أوباما إدانة الهجوم الإسرائيلي على laquo;أسطول الحريةraquo; الذي كان متوجهاً إلى قطاع غزة، جل ما قاله عن الموضوع لمحطة laquo;سي ان انraquo; الأميركية أن laquo;علينا معرفة الوقائعraquo; وlaquo;ليس الوقت مبكراً كي نقول للإسرائيليين والفلسطينيين ولجميع الأطراف في المنطقة أن الوضع الراهن لا يحتملraquo;. وذكّر بأن laquo;ثمة وضع تشعر إسرائيل في ظله بمخاوف مشروعة حين تنهمر صواريخ على مدنها الواقعة على طول الحدود بين إسرائيل وغزةraquo;.
وفيما العالم جميعه، حتى الدول الغربية الحليفة للولايات المتحدة، كانت تستنكر ما حصل، وتطالب بتحقيق دولي بالجريمة، فضّلت الإدارة الأميركية إعادة التأكيد على حرصها على أمن إسرائيل والعلاقة laquo;الخاصةraquo; التي تجمع بين البلدين!
ان هذا الموقف الأميركي البائس ازاء ما جرى مع laquo;أسطول الحريةraquo; في المياه الدولية في البحر المتوسط، وقبله التساهل مع إسرائيل التي أصرت على سياسة الاستمرار في بناء المستوطنات، إضافة إلى توقف الإدارة الأميركية عن دعم الديموقراطية ومؤسسات المجتمع المدني في الدول العربية، تكشف عن ضعف كبير في شخص الرئيس الأميركي حذر منه الكثير من المعلقين الأميركيين في وقت سابق، لا بل ان سياسيين ومسؤولين عالميين انتبهوا إليه لاحقاً ومنهم أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية التركي، الذي اتهم أوباما بالضعف، وقبله، كان الرئيس الفرنسي ساركوزي
يخرج من اجتماع مع أوباما ليقول إنه لم يجِد سمة واحدة تدلّ على أنه سياسي قوي. وقبل الاثنين، ساركوزي وداوود أوغلو، كان بريجِنسكي يُعرب عن خيبة أمله من أداء أوباما وينصحه على الانتقال من موقع الخطيب المفوّه إلى موقع رجل الدولة.
أوباما الذي توجه إلى العالم الاسلامي بخطاب منفتح وجديد، من جامعة القاهرة بعيد وصوله إلى البيت الأبيض، ربما سيدفع لاحقاً ثمن مواقفه الحذرة والمتراخية ازاء الحكومة اليمينية في إسرائيل وما جرى في عرض البحر المتوسط أمام أنظار العالم.
نتائج مثل هذا الحذر والخشية في الحسم والتعبير عن مواقف واضحة سيكون له، في حال استمراره، تداعيات سلبية فائقة الخطورة، إذ أن من شأن ذلك أن يساهم في إطلاق رسائل في كل أنحاء العالم بأن الإدارة الاميركية ضعيفة وفي وسع أي كان أن يتحدّى الزعامة الأميركية، ويتحدى بالتالي مجلس الأمن الدولي، والقانون الدولي، وكل الأعراف والمواثيق الدولية. وهذا ينطبق أكثر ما ينطبق على دول كبيرة وقوية منافسة للولايات المتحدة مثل روسيا والصين، اللتين ستدركان وتعرفان جيداً كيف تستغلان هذا الضعف وهذا التردد. وبشكل أدق، ربما روسيا كانت أول من اشتم رائحة ضعف الرئيس الأميركي حين ضربت ضربتها مبكراً في جورجيا، واستعادت نفوذها في أوكرانيا، ثم في قرغيزستان في قلب آسيا الوسطى فيما كانت الإدارة الأميركية تتفرج، أو ربما كنا على اعتقاد أن ثمة مساومات أو laquo;صفقةraquo; تحت الطاولة بين الروس والأميركيين عنوانها إيران، لكن على ما يبدو ليست ثمة ما يوحي أن كل هذه التنازلات أمام روسيا، أتت بفعل صفقة ما بل نتيجة ضعف الإدارة الأميركية والرئيس باراك أوباما.
كذلك فعلت الصين، التي تواصل اختراقاتها الاقتصادية والاستراتيجية إلى منابع النفط والموارد الطبيعية الأخرى في إفريقيا وأميركا اللاتينية، كذلك البرازيل وتركيا اللتين وقعتا اتفاقية مع إيران لتبادل الوقود النووي، ودافعا عن الخطوة الإيرانية، وشككا في محاولات الإدارة الاميركية السعي لفرض عقوبات في مجلس الأمن ضد طهران!
هذه الوقائع ، تذكرنا في الشرق الأوسط حين عملت حكومة اليمين الإسرائيلي على إذلال نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن خلال زيارته للقدس، وكيف تحدته وأعلنت عن خطة جديدة لبناء وحدات استيطانية رغم أنه كان في المنطقة بغية حث الإسرائيلين على تجميد النشاط الاستيطاني والذهاب إلى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين!
ربما يقول البعض ان الرئيس الأميركي سيكون عاجزاً عن القيام بإجراءات عقابية أو تحذيرية ضد إسرائيل لأن الكونغرس الأميركي laquo;الصهيونيraquo;، يقف له بالمِرصاد، ورغم أن هذا صحيح في بعض الجوانب، لكن لا بأس لو تذكرنا أن الرئيس جورج بوش الأب في عام 1991 أطلق تهديداً شهيراً ضد إسرائيل حين قال بأنه laquo;لن يكون في وسع تل أبيب بعد الآن اعتبار المساعدات الأميركية لها أمراً مضموناً وبدهياًraquo;.
أوباما وما لم يثبت أنه رئيس دولة وليس خطيباً مفوهاً فقط، فإن عشرات الإهانات والحوادث الخطيرة ستحدث هنا وهناك، وكل ذلك من شأنه أن يسقطه لاحقاً، ويسقط حزبه laquo;الديموقراطيraquo; معه في الانتخابات الأميركية المقبلة.