عبدالله بن بجاد العتيبي


يا الله صباح خير، نقلت لنا الصحف هذا الأسبوع خبرا عن إحدى المدارس في منطقة عسير، صبحت طلابها في الطابور الصباحي بتكفين طالب حي وحمله على نعش أمامهم، وقد حدثني صديق يعمل معلما في مدينة الرياض بأنه قد حدث في مدرسته نفس الحادث.
في زمنٍ غبر، وفي قرية وادعة وسط نجد، قام شاب متحمس التزم حديثا بعد زمنٍ مع المخدرات والضياع باصطحاب عدد من الأطفال الصغار لمقبرة القرية ليعظهم ــ حسبما فهم من شيوخه ــ ويثير العاطفة الدينية في نفوسهم، فجعلهم يتمددون في القبور المحفورة ثم غطاهم بقطعة خشبية laquo;أبلكاشraquo; وأخذ يصرخ: ذوقوا الموت، هذه هي نهايتكم!
جميع أهل القرية فزعوا لهذه الحادثة بشتى فئاتهم، وكانت حديث مجالسهم حتى أجبروا هذا الشاب المتحمس على عدم إعادة الكرة، غير أن الأطفال الصغار ظلوا مصدومين من هكذا تصرف وهكذا وعظ وهكذا ترهيب!
لندع الأطفال جانبا لبرهة. حدثني صديق أنه ذهب مع بعض أصدقائه البالغين للمقبرة بغرض الاتعاظ والادكار، وقرروا التمدد في القبور لاستشعار الموت وتقوية الإيمان حسبما كانوا يحسبون، غير أن أحدهم ما إن نزل في القبر حتى بدأ في الضحك العالي والقهقهة، ما أفسد عليهم مقصدهم وأعادهم للواقع، فخرجوا من المقبرة ضاحكين لا متعظين.
شخصيا، في المراكز الصيفية تكرر علي أكثر من مرة نفس الحدث وإن بصور مختلفة. في إحدى المرات جيء بشاب على المسرح يحمل كأنه ميت بعدما تصوره المسرحية عابثا من قبل، ثم تطفأ الأنوار، وتوضع الشراشف على المشهد مع إضاءة خفيفة من الداخل، ثم يبدأ الصراخ والعويل، وتلاوة بعض الآيات عن الموت تعقبها بعض الأبيات الشعرية الملحنة، كل هذا بغرض الوصول لأقصى التأثيرات على الحضور.
بإزاء هذه القصص وأمثالها، فإننا بحاجة لموقف حازم تجاه هكذا تصرفات، منها إبعاد هؤلاء الترهيبيين عن التأثير في النشء أو التواصل معهم، ومنها معاقبة المشاركين من المعلمين والمديرين حتى يتعظ غيرهم وحتى تصفو البيئة التعليمية من مثل هذه التأثيرات السلبية، وذلك بإحالتهم لأعمالٍ إدارية لا يتصلون فيها مع النشء ولا يؤثرون عليه بمثل هذه الأساليب.
في منابر الخطاب الديني المعتادة، المدارس والأنشطة اللا صفية والمراكز الصيفية والمساجد ثمة من يتبنى خطابا ترهيبيا للمتلقّين، يعتمد على الترهيب من العذاب وسوء المصير والنكال والعذاب، ويلغي خطاب الترغيب والرجاء والرحمة، طمعا في تحصيل أعلى المكاسب، وهو أمر يتكرر في منافذ التعبير الديني الأخرى، كخطب الجمعة والمحاضرات والفتاوى والبرامج الفضائية ونحوها.
أما الترهيب فكثير، وأما الترغيب فلا ترغيب، وهذا تشويه لأصل الدين والإيمان وتشويه لمعنى الله الرحيم، واعتداء على إيمان الناس الفطري، وأمثال هؤلاء الترهيبيين يجب إبعادهم، لأن الترهيب لوحده هو خطوة باتجاه الإرهاب.