أمين المجلس الأوروبي حول البرقع : أوروبا عانت في ظل الأصوليَّة


مارتن دويري وديتمار هيب


هل يحق للحكومات حظر البرقع أو بناء المآذن؟ في مقابلة مع صحيفة SPIEGEL ONLINE الإلكترونية، يدعو الأمين العام للمجلس الأوروبي، ثوربيورن ياغلاند، إلى مقاربة اجتماعية أكثر براغماتية ويبرر أيضاً قرار لجنة نوبل، التي يترأسها، منح الرئيس الأميركي باراك أوباما جائزة نوبل للسلام.

تفصل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ في شكاوى تقدّم بها مواطنون من 47 دولة وتواجه الآن 120 ألف قضية عالقة. هل تستطيع المحكمة معالجة هذه القضايا كلّها؟

ترزح المحكمة تحت أعباء كثيرة، نظراً إلى النجاح الذي حققته. وبما أنها تتلقى مزيداً من الالتماسات، باشرنا في يونيو (حزيران) الجاري مسيرة إصلاح من شأنها أن تجعلها أكثر فاعلية.

إصلاح عرقلته روسيا لوقت طويل.

أول ما فعلته عندما توليت منصبي هذا كان الذهاب إلى موسكو وجعل الرئيس ميدفيديف يضمن مصادقة روسيا على هذا البروتوكول. وفَعَلَت ذلك في مطلع هذا العام. لكن لا بد من بذل جهود أكثر بكثير في ما يتعلق بالمحكمة لتحقيق تقدّم.

ما هي الخطوات المقترحة؟

علينا النظر في أمور كثيرة. مثلاً، هل ينبغي أن تكون لدينا آلية تصفية معينة (آلية لقبول الشكاوى الفردية أو رفضها، أو شطبها، من أمام المحكمة)؟ فاليوم يستطيع أي مواطن تقديم التماس الى المحكمة من خلال توجيه رسالة خطية إليها. غير أن أكثر من 90 في المئة من القضايا تواجَه بالرفض. ينبغي أن نتبع إجراءات أكثر بساطة ليتمكّن القضاة منذ البداية من التركيز على القضايا الأهم.

لكن هذا وحده لن يوقف دفق الالتماسات، أليس كذلك؟

أعرف ذلك. نتلقى عدداً كبيراً من الالتماسات من دول معينة لأن الناس (في هذه الدول) لا يثقون بنظامهم القضائي. وقد كانت هذه المحكمة بالنسبة إليهم محكمة ابتدائية أكثر منها محكمة نهائية. يقتصر جزء من المبادرة على المساعدة في إصلاح النظام القضائي في عدد كبير من الدول الأعضاء. مثلاً، تأتي 30 في المئة من الالتماسات راهناً من روسيا. لذلك كان من المهم جداً أن يصادق الاتحاد الروسي على البروتوكول، فهذا يعني أنه يعترف بأهمية المحكمة. ولا شك في أن مساهمة الاتحاد الروسي في تحسين نظامه القضائي الخاص ستساعد بدورها هذه المحكمة.

هل تعتبر تركيا إحدى أكثر الدول المثيرة للجدل؟ فقد أوردت وسائل الإعلام الألمانية حديثاً تقارير تشير إلى أن أكثر من 250 ولداً وشاباً، معظمهم من أصول كردية، واجهوا في حالات كثيرة عقوبات بالسجن لفترات طويلة لضلوعهم في نشاطات يُزعم أنها إرهابية. هل كنت على علم بذلك؟

أجل، وهذا يقلقني فهو خير إثبات على أن الطريق ما زال طويلاً أمام تركيا لإصلاح دستورها وقوانينها. التقيت رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان منذ شهرين لمناقشة هذه المسألة معه مطولاً، والآن يناقش البرلمان التركي حزمة من الإصلاحات الدستورية. يعني ذلك امتثال تركيا بشكل أفضل إلى الأحكام الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. على تركيا أن تقدم المزيد للشعب الكردي. وعلينا أن نقرّ بأن إدارة أردوغان هي الحكومة الأولى التي تركز حقيقة على هذه المسألة.

بالنظر إلى هذه الظروف، هل تركيا على استعداد حتى لمفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟

هذا القرار لا يعود إليّ. لكن ما يمكنني قوله إن تركيا قطعت شوطاً طويلاً في طريقها نحو اعتماد المعايير الأوروبية وهي تعمل جاهدة لتصبح دولة أوروبية حديثة. إذا نجح الأتراك في ضم تركيا بشكل كامل إلى الاتحاد الأوروبي، سيؤثر ذلك إلى حدّ كبير على إيران، العراق، مصر ودول مسلمة كثيرة أخرى.

تؤدي المسائل الدينية دوراً أكبر في القضايا المقدّمة إلى المجلس الأوروبي. وحديثاً، أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حكماً بمنع تعليق الصلبان في صفوف مدارس إيطاليا. لكن الصلبان ما زالت معلقة هناك. ماذا سيحصل إذا رفضت ايطاليا تغيير أي شيء بهذا الخصوص؟

لم تبت الغرفة الكبرى في المحكمة (حيث تُقدَّم الطعون في القرارات) هذه القضية بعد ويبقى علينا الانتظار لمعرفة إذا كانت المحكمة ستتمسك بهذا القرار. لكن يدفعنا ذلك إلى التساؤل إلى أي درجة على المحكمة التدخّل في الشؤون المحلية في مجتمعات مختلفة؟

وهل عليها ذلك؟

أهم ما في هذه المحكمة قدرتها على صيانة حقوق الإنسان الأساسية الأبرز على رغم أن تعريف هذه الحقوق يتوسع أكثر فأكثر طوال الوقت. مثلاً، قبل 10 سنوات، لم يكن من الممكن إدراج حقوق مثليي الجنس في هذه الخانة. في المقابل، يصبح بعض المواضيع أقل أهمية وعلى المحكمة متابعة هذه التغيرات.

دعنا نتابع حديثنا عن الصلبان في المدارس. يواجه ألمان كثر المشكلة نفسها مع هذا التقليد الكاثوليكي. إذا حُظر تعليق الصلبان في إيطاليا، سيتقدم الملتمسون الألمان فوراً بدعاوى في ستراسبورغ.

أجل، أعرف ذلك لكن سؤالي هو التالي: هل ينبغي أن تُثار حول الصليب هذه الجلبة كلها؟ أو بالأحرى: هل يتمثل دور القادة السياسيين في أن 'يصنعوا من الحبة قبة'؟ فلنأخذ مثلاً الجدال بشأن البرقع والحجاب. لو أن آلاف وآلاف الشابات كن يضعن البرقع، فلا بد من اللجوء إلى القانون لحسم المسألة. لكن أعتقد أننا نستطيع تولي هذه المسألة ببراغماتية. هل ارتداء الشابات الحجاب مشكلة كبيرة حقاً؟ إذا كان أحد الآباء يجبر ابنته على وضع البرقع أو الحجاب، فهذه مشكلة بالنسبة إلى تلك الشابة. لكن هل هي مشكلة كبيرة بالنسبة إلى المجتمع بأسره؟

مرّرت بلجيكا حديثاً قانوناً يحظّر البرقع. هل تستطيع حقاً تخيّل فتاة تذهب إلى المدرسة ببرقع؟

كلا، لكن هل نحتاج إلى سن قوانين تحظّر ذلك؟ أعتقد أن كل مدرسة على حدة تستطيع تولي هذه المسألة. في وطني، النرويج، تستطيع المدارس منع ارتداء البرقع فيها. لكن هل يتطلب الأمر جدالاً سياسياً وهذه الأمور كلّها التي تثير الرأي العام؟ أعتقد أن في المجتمع مشاكل أهم من ذلك.

في استفتاء روسي، وافق حديثاً من شملهم الاستفتاء على حظر بناء المآذن.

مجدداً أتساءل: هل هذه مشكلة كبيرة؟

يبدو أن السويسريين يعتقدون ذلك.

لكن هل ينبغي أن تُترك للأكثرية مسألة التصويت على بناء المآذن؟

تستطيع السلطات المحلية الرفض بحجة أنه ليس لدينا مكان لبناء مئذنة أو أن ذلك يشوّه مظهر المدينة. لكن هذا أمر مختلف. السؤال: هل ينبغي إجراء استفتاء حول هذه المسألة؟ ينص مبدأ أساسي في الإعلان العالمي لحقوق الانسان على أنه لا يحق للأكثرية البت في ما يتعلق بحقوق الإنسان الأساسية. لا يحق للأكثرية الإساءة إلى حقوق الإنسان الأساسية التي تتمتع بها الأقلية.

لكن هل بناء مئذنة أحد حقوق الإنسان الأساسية؟

لا أعتقد ذلك. لهذا السبب ينبغي برأيي التعامل مع هذه المسألة براغماتياً. لقد عانت أوروبا كثيراً في ظل الأصولية والإيديولوجيات المختلفة. علينا ألا نقع في هذا الفخ مجدداً.

بصفتك رئيس لجنة نوبل لعام 2009، طالبت بشدة بمنح جائزة نوبل للسلام إلى رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما. وأحد التبريرات التي تقدّمت بها أن أوباما لا يحصل على الجائزة بسبب خططه لنزع السلاح النووي فحسب، بل أيضاً بسبب بوادر السلام التي يظهرها نحو العالم المسلم.

أجل.

كيف ترى الأمور الآن بعد مرور نصف عام. أما زلت تعتقد أن أوباما كان الشخص المناسب؟

أجل، فقد كان ذهابه إلى تركيا للمرة الأولى وإلقاؤه خطاباً أمام المسجد في اسطنبول حدثاً تاريخياً. ثم ذهب إلى القاهرة ليخاطب العالم المسلم. كانت مصالحة مع المسلمين حول العالم.

لكن ما زالت المواجهات مع العالم المسلم كثيرة، فالقوات الأميركية تشن حرباً في أفغانستان وفي أجزاء من باكستان.

لم ينجح أوباما (في سياساته)، لكنه قام بالخطوة الأولى. أذكر بالمناسبة أن لجنة جائزة نوبل للسلام منحت هذه الجائزة إلى الدكتور مارتن لوثر كينغ في وقت مبكر جداً أيضاً لأنه أطلق مسيرة السلام. ينبغي أن يطلق أحد ما المسيرة؛ وعلى أحدهم تولّي القيادة.

هذه مقارنة جريئة.

أبداً، فيوماً بعد يوم يتّضح أننا كنا محقين. لمَ التقى الرئيسان ميدفيديف وأوباما في براغ للتوقيع على معاهدة جديدة لنزع السلاح النووي؟ لأن أوباما أطلق هذه المسيرة في براغ من خلال مد اليد إلى الروس. وهذا ينطبق أيضاً على استعداده لتكييف الدرع النووي وعلى قوله إنه سيعمل على التوصّل إلى مصادقة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. حصل ذلك كله خلال أشهر قليلة. لم يغيّر يوماً أي رئيس أميركي أجندة الولايات المتحدة السياسية بهذه السرعة والعمق.

هل ترى ذلك على رغم خيبات الأمل في أفغانستان والأراضي الفلسطينية؟

لا تخلو القيادة السياسية من خيبات الأمل. لكن المعيار الفعلي بالنسبة إلى لجنة نوبل هو: من الشخص الذي بذل أكبر قدر من الجهود لتنمية السلام في العالم خلال العام الماضي؟ حسمت أمري في وقت مبكر جداً ولم يكن أمامي مفر من منح الجائزة إلى أوباما.

ويصادف أيضاً أن أوباما هو القائد الأعلى لأحد أقوى الجيوش في العالم.

أنا أيضاً طرحت على نفسي هذا السؤال. هل نستطيع حقاً أن نفعل ذلك؟ أن نمنح الجائزة لأقوى شخص في العالم؟ مع تلك القدرة العسكرية الكبيرة والقوة الاقتصادية الهائلة؟ لكن، من وقت إلى آخر، عليك أن تقدّر السياسة الواقعية حق قدرها؛ هذا قول ألماني.

لكن هل جائزة نوبل للسلام مكافأة على السياسة الواقعية؟

من دون السياسة الواقعية لا نستطيع تغيير العالم. لقد منحنا هذه الجائزة إلى أشخاص لا يستغنى عنهم ويؤمنون بالمثاليات. لكن من وقت إلى آخر علينا التركيز على السياسة الواقعية أيضاً. حصل المستشار الألماني ويلي برانت مثلاً على الجائزة بسبب أسلوبه في تحسين العلاقات مع الشرق، لأنه غيّر الحقائق في أوروبا. كانت هذه سياسة واقعية رفيعة المستوى.

قلت مرة إن الاتحاد الأوروبي ينبغي أن يُمنح جائزة نوبل للسلام. لكن لماذا ومتى؟

الإجابة عن الجزء الأول من السؤال سهلة جداً، ذلك لأنني قلت مرات عدة إن الاتحاد الأوروبي هو أهم مشروع سلام في التاريخ فهو يجمع الأعداء السابقين في خندق واحد. ويتوسع هذا المشروع راهناً نحو الشرق ودول البلقان. على رغم المخاوف كافة بشأن اليورو، لم يكن من مفر مما حصل في القارة الأوروبية. أما عن الجزء الثاني من السؤال...

... السؤال عن متى...

هذه مسألة دقيقة جداً بالنسبة إلي بصفتي رئيس لجنة نوبل، لا أستطيع قول المزيد.

لكن هل ذلك ممكن؟

ثمة أمور كثيرة ممكنة، فعدد المرشحين يزداد سنوياً وهذا العام لدينا 240 مرشحاً تقريباً.