فهد المضحكي

احمد لطفي من كتّاب روز اليوسف المتخصصين في الجماعات الإسلامية كتب العديد من المقالات والدراسات والبحوث عن التطرف الديني وعن رجال الدين في معروض صراع العلماء والادعياء والامراء على جمهور الفتاوى في هذا البلد الذي يعج بفتاوى المتشددين.
قبل ثلاث سنوات، كتب عن الصراع بين الدعاة الجدد على جمهور الفتاوى مشخصا حقيقة ابعاد هذا الصراع بادوات الباحث المتمكن الذي يتعامل مع مفهوم الاسلام السياسي بتأثيراته السلبية المختلفة على السلطة المدنية والجمهور.
وعن هذا الصراع كان يرى ان بين الاسلام الرسمي الممثل في مشايخ الازهر والاوقاف وبين الاسلام الكاجول الممثل في مشايخ الدعوة الجديدة الذين انطلقوا من مساجد النوادي الكبيرة وصالونات القصور في المهندسين ومارينا وبين الاسلام السلفي الذي حولت الفضائيات الجديدة شيوخه الى نجوم فوق العادة بعد ان كانت دروسهم مقتصرة على مساجد الاحياء الفقيرة بين هؤلاء وأولئك يعيش المواطن في حيرة شديدة، بل تستطيع ان تقول تجاوزا ان الاسلام نفسه يعيش في حيرة اشد بين الرسمي والروشي والسلفي، وتتوزع خريطة المشايخ في مصر وتتوزع ايضا عوائد وارباح السوق الاسلامية وهي ارباح كبيرة للغاية تقدر بعشرات المليارات، ومن جانب اخر تحدث لطفي عن ثورة الاتصالات التي عبرت عن نفسها في صورة مئات من القنوات الفضائية ومئات من المواقع الالكترونية وملايين من الاسطوانات المدمجة، وعن دورها الكبير الذي اتاح لنا ان نقرأ خريطة الدعوة في مصر والعالم العربي في يسر وسهولة.
ومن هنا، يسلط الضوء على اول مكونات الخريطة الدينية وهو الازهر الذي يتمتع بتاريخ مجيد ولكن ومن حيث الواقع فهو ليس كذلك، ومن هذه المكونات ايضا وزارة الاوقاف المنافس للازهر وفضلا عن هؤلاءالوعاظ الجدد الذين نجحوا في تسويق انفسهم في اوساط النخبة، ومن هنا فالمتتبع للوعاظ الذين تخرجوا من كليات الدعوة في الازهر يجدهم بالالاف من الخريجين يعملون في الاوقاف برواتب متدنية، ولكي سرعان وفي شهور قليلة متى مانجح الداعية في تسويق نفسه يتحول الى مليونر.
لماذا؟ لان ثمة فرق بين الدعاة اي هناك دعاة اصبحوا غير قادرين على متابعة التغييرات التي حدثت في السوق الدينية بخلاف الجدد منهم الذين ادركوا هذه التغييرات اي دخل مستهلكون جدد مع زيادة اقبال الطبقات الجديدة في مصر على مظاهر التدين الشكلي حيث تختلف نوعية المشكلات التي يلبون الفتوى بشأنها.
اذن وفي هذه الاوساط يلعب الدعاة الجدد دورا استثنائيا نفسيا وتربويا واقتصاديا لجمهوره وقد ادى هذا الى خروج واعظي الازهر من حلبة التأثير في النخبة، وبعبارة اخرى ان نمط الدعوة الجديدة والروش او الكاجوال كما يسميها لطفي برزت بعد تراجع المؤسسة الدينية الرسمية وفقدانها لقدراتها على التواصل والتأثير وهو احد العوامل الاساسية في ظهور الدعاة الجدد الى جانب التغييرات الاجتماعية.
ولهذا السبب نجد ان السمة الاساسية لهؤلاء الدعاة هي انهم لم يحصلوا ثقافاتهم الدينية من خلال المؤسسة الدينية الرسمية وان غالبيتهم من خريجي كليات التعليم المدني بل ان معظمهم مهنيون ناجحون ورجال اعمال، ومع ذلك لايعني هذا ان هؤلاء الدعاة بلا ثقافة دينية ورغم انهم حاولوا الحصول على شهادة اكاديمية من مؤسسة تعليمية امريكية اسسها اسلامي مصري يعيش في امريكا هو د.صلاح سلطان الا انهم سرعان ما اكتشفوا انهم ليسوا في حاجة لترخيص لا من الازهر ولا من غيره.
ولعل السمة المميزة الثانية لهؤلاء الدعاة هي قدرتهم على التواصل مع الجماهير والسبب هو انهم ينتمون للذين يقدمون لهم منتجهم الديني ويعرفون طرق حياتهم ومشاكلهم وذنوبهم اليومية التي تدفعهم لطلب التوبة والتطهر ورغم انهم فاقدون لاي قدرة على الاجتهاد او حتى الفهم العميق للمسائل الفقيهة، الا انهم اجتهدوا كثيرا في ابتكار طرق التواصل مع الجماهير وتلبية احتياجاتهم وقد نجحوا في ذلك ونجحوا في تحويل المنتج الديني الى حد مكونات السوق وفقد الوعظ الديني على ايديهم البعد الرسالي وتحول الى اهم مكونات السوق الواسعة التي تتضمن مبيعات بمليارات الجنيهات لاشرطة الكاست والقنوات الفضائية والتبرعات والمشروعات، ومن هؤلاء الدعاة الداعية ياسين رشدي كان وكيل وزارة سابق تحول لتجارة القمح والسياحة الدينية اما الشيخ عمر عبدالكافي فقد كان استاذا في اكاديمية البحث العلمي وصاحب شركة استيراد وتصدير في حين ان عمرو خالد الذي بدأ حياته محاسبا تحول الان الى رجل اعمال من الوزن الثقيل. وعلى صعيد الدعاة السلف تحدث لطفي عن هجوم هؤلاء الدعاة الجدد الذي وصل الى حد التكفير وهو ما اوقع الجمهور في حالة من الارتباك، رغم ان هؤلاء ليسوا افضل من اولئك اي دعاة السلف روجوا المنتج الديني كمنتج جذاب من خلال التركيز على القصص الديني والحكايات ذات البعد الدرامي وخاصة مع ظهور الفضائيات التي وظفت لفتاوى التشدد والتطرف.