سمير عطا الله


بعد يونيو (حزيران) 1967، شاعت في العالم نكات كثيرة عن الجيش المصري. وكان معظم هذه النكات، إن لم يكن كلها، من تأليف وتلحين وتوزيع الآلة الإعلامية الإسرائيلية. وقد ردد العرب هذه النكات كالببغاوات، وبعضهم كالغباوات. لم تستهدف تلك النكات مصر المهزومة وإنما صورة العربي في كل مكان، متخلفا كمدني وجبانا كعسكري. ونتجت عن ذلك كله، صورة نمطية مضحكة ومذلة، للمصري الذي فر تاركا جزمته في حر الصحراء.

في كتابه laquo;تاريخ الأقطار العربية الحديثraquo; يحاول أن يضع المستعرب السوفياتي فلاديمير لوتسكي، أبو المستشرقين الروس، ما سماه تاريخا laquo;ماركسياraquo; للعرب، مستندا بصورة خاصة إلى تحليلات كارل ماركس نفسه في الرؤية إلى أحداث القرن التاسع عشر أوائل القرن العشرين. فماذا نرى؟ نرى جيوش محمد علي (1831 - 1833) تلحق الهزيمة تلو الأخرى بجيش مصري أقل عددا بنحو النصف من القوات التركية. بلغت الحملة المصرية عكا، التي سقطت أمامها، وفي حمص خسر الأتراك 4000 قتيل مقابل 100 قتيل مصري، وأخرج إبراهيم باشا الأتراك من سورية برمتها، ثم وصلت قواته إلى الأناضول. وفي النهاية، حشد الأتراك 60 ألف رجل لمعركة قونية الفاصلة (1832) في مواجهة 30 ألف مصري، وأيضا كانت الغلبة لهم. ولولا تدخل روسيا وقوى المرحلة لوصلت جيوش محمد علي إلى اسطنبول المذعورة.

ثمة ملاحظة أخرى في الرؤية الماركسية لتلك المرحلة. يقول لوتسكي إن هدف محمد علي (الأرناؤوطي) وابنه إبراهيم، كان إقامة دولة عربية مستقلة. وكتب رئيس وزراء بريطانيا بالمرستون (1833) أن laquo;هدف محمد علي الحقيقي هو تكوين مملكة عربية تضم كل الأقطار الناطقة بلغة الضادraquo;. وروى الكونت بوالكمت، مندوب فرنسا لدى محمد علي، أن الرجل لم يكن يخفي مقاصده في إحياء الأمة العربية. وفي النهاية، بقيت مصر التي هزمت الباب العالي، تابعة له بسبب مشيئة الدول الكبرى.

يلتزم لوتسكي، كما أوضح، تفسيرا آيديولوجيا في السرد التاريخي، لكنه أيضا خال من الكليشهات التي سادت في زمنه، أوائل القرن الماضي. ويقر بأن المراجع غير الغربية آنذاك، كانت قليلة وضعيفة. لكن يظل من المثير أن نطلع على الرؤية الروسية للمنطقة، وخصوصا على الموقف من دور روسيا القيصرية في الصراع حول تركيا ومن أجلها. ولئن توقفت عند تدوين الانتصارات العسكرية المصرية، فلأننا أبناء جيل أغرق بأخبار هزائم مصر.