غسان شربل
لا شيء يوحي بأن باراك أوباما يريد دخول التاريخ على طريقة جورج بوش. الشخصان مختلفان. والظروف أيضاً. وأميركا متعبة ومستنزفة. حاربت كثيراً في العقد الأول من هذا القرن. أغلب الظن أن أوباما يحلم بأن يكون الرئيس الذي أعاد الجيش من مهمات صعبة أو مستحيلة. ويمكن القول إنه كان يحتاج في سنته الأولى الى نجاح في الملف الإيراني بمعنى إطلاق حوار أو التمهيد له لإظهار جدوى سياسة الانخراط والحوار واحترام الاختلافات والمصالح.
لم يحدث ذلك. لم تلتقط إيران يد أوباما الممدودة. ستستمر التكهنات حول هذه الفرصة الضائعة. يصعب الجزم بالأسباب. ثمة من يعتقد بأن العداء للولايات المتحدة ليس خياراً عابراً لدى النظام القائم في إيران. وأن هذا العداء ضروري لاستمرار تماسك النظام. وأن أي حوار حقيقي مع أميركا سيفتح نوافذ تتسلل منها الرياح الى داخل قلعة laquo;الجمهورية الإسلاميةraquo;. وأن النظام يفضل العمل على خط التوتر مع أميركا وليس على خط الحوار معها.
يجد المرء صعوبة في الفهم. إذا كانت إيران غير راغبة فعلاً في صناعة قنبلة نووية، فلماذا تعجز عن إقناع أميركا وأوروبا وروسيا وحتى الصين بصدق نواياها وأن لا التباسات في موقفها؟ ولماذا تعجز تحديداً عن إقناع الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟ وماذا تريد إيران فعلاً؟ قنبلة نووية تشكل laquo;بوليصة تأمينraquo; ضد أي محاولة أميركية لإنهاء نظام laquo;الجمهورية الإسلاميةraquo;؟ أم تريد دوراً في الإقليم تشعر أن أميركا لا يمكن أن تقر لها به؟ أم انها تريد الدور والقنبلة معاً وهذا يعني انقلاباً كبيراً في منطقة يصعب على الدول الكبرى وضع مفاتيحها في يد دولة مثل إيران ونظام مثل نظامها؟ ولماذا لم تقدّم طهران ما يحول دون إقرار مجلس الأمن حزمة عقوبات جديدة ضدها وبموافقة روسية وصينية؟ ولماذا لم تقدم ما يحول دون تصاعد العقوبات الأميركية ضدها؟
من حق أي مراقب طرح هذه الأسئلة. توقيع باراك أوباما على laquo;قانون العقوبات الإيرانية الشاملة والمحاسبة وسحب الاستثماراتraquo; ليس حدثاً بسيطاً. صحيح أن إيران دولة كبيرة بمقاييس الشرق الأوسط. وصاحبة خبرة في مواجهة العقوبات، وأن نظامها الصارم متماسك ولم تظهر عليه علامات التفسخ والانشقاق. وأن وضع المعارضة لا ينذر بتغيير وشيك أو قريب. لكن الصحيح أيضاً ان العقوبات الأميركية، بعد الدولية والأوروبية، ستترك آثارها على الاقتصاد الإيراني فضلاً عن العزلة.
لسنا عشية حرب أميركية - إيرانية. قد يكون أوباما اختار العقوبات لاستبعاد الحرب. وربما تشعر إيران بقدرتها على التعايش طويلاً مع العقوبات والالتفاف عليها بحكم علاقاتها الإقليمية وأوضاع دول الجوار، خصوصاً في العراق وأفغانستان. إن مرحلة الخطر يمكن أن تبدأ إذا تبين أن العقوبات فاعلة ومؤذية. حينها يمكن توقع ردود إيرانية في بعض ساحات الإقليم. ولكن بانتظار ذلك يمكن ضبط درجة التوتر تحت مظلة العقوبات التي تتيح لأوباما ضبط شهوات الصقور في بلاده وتتيح لأحمدي نجاد الاستمرار في خطبه النارية ضد laquo;الشيطان الأكبرraquo;.
التعليقات