جابر عصفور

ضم منزلنا يوم الجمعة الماضي عددا كبيرا من شباب العائلةrlm;,rlm; سواء من أقربائي أو أقرباء زوجتيrlm;,rlm; وكنا فرحين بهذا العدد الكبير من الشباب والشابات الذين أصبحوا آباء وأمهاتrlm;.rlm;

ولاحظت أن الشابات ينقسمن إلي قسمينrlm;:rlm; محجبات وسافراتrlm;.rlm; وبعد الغداءrlm;,rlm; جلسنا معا نتبادل الأحاديث العائليةrlm;.rlm;
ولكن إبراهيم الشاب مهندس الإلكترونياتrlm;,rlm; استغل مجري الحديث الذي اتجه ناحية مقالاتيrlm;,rlm; وقال لي بلهجة محبة كم أتمني يا أونكل أن لا تكتب في موضوعات دينية كما فعلت في مقالك السابق الإسلام لم يفرض زيا محددا للمرأة فأنت تكتب في غير اختصاصكrlm;,rlm; وتغضب عليك علماء الأزهر الذين رد عليك عدد غير قليل منهمrlm;,rlm; مؤكدين أن الحجاب فريضة دينية وليس عرفا اجتماعياrlm;,rlm; وكانت زوجته جالسة إلي جوارهrlm;,rlm; متعاطفة معه بوجهها الباسم الحنونrlm;.rlm; ورددت علي إبراهيم الذي أعتبره ابنا ليrlm;:rlm; ولكني يا ابني استشهدت بما ذهب إليه شيخ الأزهر ووزير الأوقافrlm;,rlm; وكلاهما عالم جليل يؤكد أن الأصل في ملبس المرأة هو العفة والحشمةrlm;.rlm; وهذا الأصل لا يختصر عفة المرأة أو حشمتها في قطعة قماش صغيرة نسبيا هي الحجابrlm;,rlm; أو كبيرة سابغة اسمها النقابrlm;,rlm; قالت لي زوجة إبراهيم التي أراها ابنة عزيزة ليrlm;:rlm; ولكن يا أونكل أنت لست من علماء الأزهرrlm;,rlm; فلماذا لا تترك الكلام في هذه الأمور لعلماء الأزهر وحدهم؟ ولم أقل لها إن من أشرت إليهم في المقال هم رفاعة الطهطاوي وشيخ الجامع الأزهر ووزير الأوقاف بجلالة قدرهمrlm;,rlm; ولكني شرحت لها ما قاله الإمام محمد عبده أعظم مفت للديار المصرية الذي توفي سنةrlm;1905rlm; من أنه لا كهنوت في الإسلامrlm;,rlm; ولا سلطة دينية فيهrlm;,rlm; وأنه لا سلطة دينية لحكامهم ولا علمائهم ما ظل الأصل هو أن الإيمان يعتق المؤمن من كل رقيب عليهrlm;,rlm; سواء بالمعني السياسي أو المعرفي وأضفت إلي ذلك أن لكل مسلم أن يفهم عن الله من كتاب اللهrlm;,rlm; وعن رسوله من كلام رسولهrlm;(rlm; صلي الله عليه وسلمrlm;),rlm; دون توسيط أحد من سلف أو خلفrlm;,rlm; فليس في الإسلام ما يسمي عند قوم بالسلطة الدينية بوجه من الوجوه ولذلك يا ابنتيrlm;,rlm; فأنا لي حق أن أفهم من الإسلام ما يهديني إليه عقليrlm;,rlm; ما دمت مزودا بالخبرة في علوم اللغة والتراث والقراءة الطويلة في التراث الإسلامي الذي أزعم أني أحسن معرفته بحكم تخصصي الأول في علوم البلاغة التي جرتني إلي علوم القرآن والحديث والدراية بمذاهب الحديث وتحري أفكار الفرق الإسلامية المختلفة ولم ينتظر إبراهيم حتي أفرغ من قول الكلمة الأخيرةrlm;,rlm; فقاطعني قائلا في حماسة ولكنك لم تحصل علي الدكتوراه من الأزهرrlm;,rlm; ولست من علمائهrlm;,rlm; فأنا مختص في الإلكترونيات وليس لكل أحد أن يفتي فيهاrlm;,rlm; وإلا حدثت كارثةrlm;,rlm; وكذلك شأن الطبيب فأنت تذهب إلي زيارة طبيبك زيارات دورية للاطمئنان علي حالة قلبكrlm;,rlm; ولا تذهب إلي أحد غيره من المتخصصين في أنواع الطب الأخريrlm;,rlm; وأنت يا أونكل تعرف أكثر مني معني التخصص؟ قلت لإبراهيم وزوجه التي كانت متحمسة مثل زوجها ولكن الدين والعلم به فرض علي كل مسلمrlm;,rlm; ولولا ذلك ما كان هناك معني للمبدأ الذي يقولrlm;:rlm; استفت قلبكrlm;,rlm; خصوصا أننا نعيش زمنا لم يعد من الممكن أن ندعو فيه بدعاءrlm;:rlm; اللهم إيمانا كإيمان العجائزrlm;,rlm; فالحوار في الدين أصبح مفروضا عليناrlm;,rlm; وضرورة إعمال عقولنا في نصوصه واجبةrlm;,rlm; خصوصا أن الفتاوي العجيبة المنسوبة إليه تفرض علينا عرضها أولا علي عقولنا ونصوص الدين بتأويلاتها الحقةrlm;,rlm; وإلا ما دخلت ياسمين كلية الصيدلةrlm;,rlm; أو إيمان كلية الطبrlm;,rlm; علما بأن فتاوي القاعدة تحرم تعليم البناتrlm;.rlm; وهناك المرأة التي لا يزال يحرمها أهلها حقها الشرعي في الميراث ببعض المناطق في الصعيدrlm;,rlm; من حقها أن تحاججهم بنصوص القرآن الصريحةrlm;,rlm; وأقوال الفقهاء العديدة ولذلك فالاجتهاد في فهم الدين واجب علينا جميعا دون استثناءrlm;,rlm; خصوصا ونحن أصبحنا إزاء فتاوي لها العجب تنهمر علينا من فضائياتrlm;,rlm; ينشر بعضها الجهل والتعصب قالت لي ياسمين زوجة إبراهيم ولكننا نستفتي العلماء من رجال الأزهر؟ قلت لها ومن أدراك أن كلهم علي حق أليسوا علي اختلاف واضح في أمور كثيرةrlm;,rlm; تمس حياتناrlm;,rlm; منها ملبس المرأة؟ فهناك من يقف مع النقابrlm;,rlm; ويري فيه فضيلةrlm;,rlm; وهناك من يقف ضدهrlm;,rlm; ويراه بدعة وعودة إلي الوراء وأنت مثلاrlm;,rlm; يا ياسمينrlm;,rlm; لا ترتدين النقابrlm;,rlm; أليس لأنك أعملت عقلكrlm;,rlm; ورأيت أن الحجاب يحقق لك معني الحشمة ولوازمها مثل عدم ارتدائك إلا للقمصان طويلة الكمrlm;,rlm; وتظهرين يديكrlm;,rlm; ولا تترددين في السلام علي الناسrlm;.rlm; وذكرتني زوجة ابني التي كانت ساكنة طوال الوقتrlm;,rlm; مكتفية بالإنصاتrlm;,rlm; قائلةrlm;:rlm; ولكن كلمة لحجاب ترد في القرآن الكريم بمعني الستارrlm;,rlm; وخاصة بزوجات النبيrlm;,rlm; وأكملت لها القول إن ما نسميه الحجاب هو البخنق في اللغة العربية واللغة العامية تقول تبشنقت بدل تبخنقتrlm;.rlm; وانتهزت فرصة سكوت أنصار الحجابrlm;,rlm; وكانوا ثلاثة أزواجrlm;,rlm; ومضيت قائلا ما أعرفه أن الأزهر الشريف لم ينشغل أحد فيه بقضية الحجاب منذ ثورةrlm;1919rlm; التي علمتنا أن الدين لله والوطن للجميعrlm;,rlm; وأتاحت للمرأة السفور الذي تقبله الأزهرrlm;,rlm; ولم ينشغل أحد بالحجاب إلي أن حدثت هزيمةrlm;1967rlm; من ناحيةrlm;,rlm; وتعاليم الثورة الخومينية في إيران من ناحية ثانيةrlm;,rlm; وتحالف السادات مع الإخوان من ناحية ثالثةrlm;,rlm; وامتداد إشعاع أفكار طالبان ثم لقاعدة من أفغانستان إلينا بواسطة الذين هاجروا إليهاrlm;,rlm; وعرفوا باسم العائدين من أفغانستان من ناحية أخيرةrlm;.rlm; ودخلت زوجتي في الحوار مؤكدة أنها لم تعرف لا حجابا ولا نقابا في الجامعة عندما كنا طلابا فيهاrlm;.rlm; وألقت سؤالا حماسيا قائلةrlm;:rlm; هل كنا نحن وأسرنا كلها خارجين علي الإسلام لأننا نشأنا في بيوت لا تعرف الحجاب أو النقاب؟ لقد نشأنا سافراتrlm;,rlm; ولكن ملتزمات بتعاليم الإسلامrlm;,rlm; في بيوت تعمرها التقويrlm;,rlm; ويتردد فيها صوت المقرئ مع رائحة البخور كل يوم جمعةrlm;,rlm; وظللنا علي هذا الحال طويلاrlm;,rlm; وأنا شخصيا نشأت ابنتي المرحومة سهير علي ذلكrlm;,rlm; وذهبت إلي إسبانيا لتحصل علي الدكتوراهrlm;,rlm; وعادت وهي ملتزمة بتعاليم دينهاrlm;.rlm; وها هي زوجة ابني سافرةrlm;,rlm; ولكنها لا تنسي فروضها الدينيةrlm;,rlm; وأدت معي وزوجها فريضة الحجrlm;,rlm; ونحن نؤدي الزكاة ونعرف الصلاةrlm;,rlm; ونحنو علي الفقيرrlm;,rlm; ولا نعبد الله خوفا منهrlm;,rlm; بل أملا في رضاه ورحمتهrlm;,rlm; ولا نخشي سواهrlm;,rlm; ولا يمكن أن أقتنع أن حشمتي تنقص أو تزيد لو ارتديت حجاباrlm;,rlm; ولذلك فأنا لا أرتديه لأنني لا أقبل اختزال ديني في علامة خارجية هي حجاب أو نقابrlm;,rlm; فإيماني هو ما وقر في قلبي وصدق عليه عملي ما دمت أعتقد أني علي الحقrlm;,rlm; وأقرب إلي الله من غيري الذي يختزل دينه في قطعة قماشrlm;.rlm; وهناrlm;,rlm; قالت لها المحجبة الأخري من بناتناrlm;:rlm; ولكن يا طنط نحن نتبع كلام العلماء في الدينrlm;,rlm; وهم أعلم مناrlm;,rlm; فردت زوجتي بحماسها الذي جعل الجميع ينصتون إليها أنا أتبع ما أقتنع بهrlm;,rlm; وما يتفق مع ما تربيت عليهrlm;,rlm; وأري أنه لا يقلل من احترامي لنفسيrlm;,rlm; وأستفتي قلبيrlm;,rlm; وأري أن المسألة كلها اجتهادrlm;,rlm; لكل طرف من الأطراف المختلفة حقه في الاختلافrlm;,rlm; ما دام الحرص علي الدين هو المقصدrlm;,rlm; فالعبرة بالنوايا التي لا يعلمها إلا اللهrlm;,rlm; وما تؤدي إليه من تقدم الأمة أو تخلفها ولذلك لا أصادر علي من يذهب إلي الحجابrlm;,rlm; ولكني لا أري فيه فريضةrlm;,rlm; فأنا أعرف الفرائض التي نص عليها الإسلامrlm;,rlm; وليس منها ملبس محدد للمرأةrlm;,rlm; وأحب بناتي المحجبات والسافرات بالقدر نفسهrlm;,rlm; وأنصحهن أن يحترمن بعضهن بعضاrlm;,rlm; فلا فضل لمحجبة علي سافرة أو سافرة علي محجبة إلا بالتقوي المقرونة بالعمل من أجل التفوق في كل مجالrlm;.rlm; ونظرت إلي كأنها تريد أن أختم النقاشrlm;,rlm; فقلت يا بناتي وأبنائيrlm;:rlm; دعونا نفكر فيما هو أجديrlm;,rlm; وأن نبحث عن حل لخروج ملايين المسلمين من نفق التخلف والفقر والجهل والمرضrlm;,rlm; فنحن في زمن لا يجد فيه الفقير قوت يومهrlm;,rlm; ولا تعليما حديثاrlm;,rlm; ولا صناعة متقدمةrlm;,rlm; ولا رعاية صحية أو عدالة اجتماعية وأكملت زوجة ابنيrlm;:rlm; ولا ديمقراطية يا عموrlm;.rlm; فأكملتrlm;:rlm; أليس التفكير في حلول لكل هذه المشكلات الصعبة أجدي من التفكير في شكلية الأزياءrlm;,rlm; كما قال الشيخ محمد متولي الشعراوي في قصيدته إلي طه حسينrlm;,rlm; رحم الله الاثنينrlm;,rlm; ومعهما علماء الإسلام المستنيرين أمثال محمد عبده ورفاعة الطهطاوي والباقوري والذهبيrlm;,rlm; ومد الله في أعمار ذريتهم التي تحمل رسالتهم من أمثال أحمد كمال أبو المجد وأحمد الطيب ومحمود زقزوقrlm;,rlm; ولنترك المرأة ترتدي ما يشاء لها ضميرها وعقلهاrlm;,rlm; ما ظلت مسؤولة أمام الله وحدهrlm;,rlm; عن ما تفعل أو تلبس وسكتrlm;,rlm; فانتقلنا إلي موضوع عائلي آخرrlm;,rlm; فنحن عائلة تحب الحوارrlm;,rlm; وتحترم الاختلافrlm;,rlm; وليت الجميع يفعلون ما نفعلrlm;.rlm;