Martin Indyk - Washington Post


نجح أوباما الذي يعمل عن كثب مع نتنياهو في وضع مقاربة منعت حصول شرخ في العلاقات التركية الإسرائيلية، وأعاق إصدار قرار لإدانتها في مجلس الأمن، وفرض تحقيقاً يروق لإسرائيل.

يخفي الاضطراب الراهن في العلاقات الأميركية الإسرائيلية تطوراً مفاجئاً: بدأ الرئيس أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتطوير علاقة بنّاءة وفاعلة تأخذ بالاعتبار المخاوف المشروعة لكلٍّ من الجهتين. نقل مكتب الإحصاءات الإسرائيلي، في شهر مايو، أنّ الربع الأول من عام 2010 لم يسجّل إطلاق أي عمليات بناء جديدة في مستوطنات الضفة الغربية، وهو أمر طالب به أوباما في بداية عهده. منذ زيارة نائب الرئيس بايدن المحرجة إلى القدس في شهر مايو، قام نتنياهو، بكل هدوء، بإعاقة عروض بناء جديدة في القدس الشرقية، وعمليات تدمير للمنازل الفلسطينية، وإخلاء السكان الفلسطينيين هناك.

في مقابل ذلك، أعلن أوباما حديثاً زيادة قيمة المساعدات العسكرية بـ205 ملايين دولار إلى إسرائيل لتسديد تكاليف نشر الأنظمة الدفاعية المضادة للصواريخ في البلدات الحدودية الإسرائيلية. في الشهر الماضي، أشاد نتنياهو بإدارة أوباما لأنها أمّنت مرور القرار الأخير في مجلس الأمن لفرض عقوبات على برنامج إيران النووي. في الواقع، يجري تنسيق وثيق بين المؤسسات الأمنية الإسرائيلية والأميركية، منذ عام تقريباً، للحدّ من طموحات إيران النووية. ليست هذه الأخبار سارّة بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعتبرون إسرائيل عبئاً ثقيلاً، ويتوقون إلى ظهور رئيس يفرض السلام على إسرائيل، لكنّ كلّ من يسعى إلى حصول تقدّم ملحوظ في عملية السلام في الشرق الأوسط، وإلى إضعاف طموحات إيران النووية- بما في ذلك القادة العرب المعتدلون- يجب أن يرحّب بما يبدو اعترافاً من أوباما ونتنياهو بأنّ أياً منهما لا يستطيع تحقيق أهدافه إلا إذا تعاونا معاً بدل معاداة بعضهما بعضا.

كانت حادثة الأسطول التركي اختباراً مهماً أثّر في هذا التناغم المستجدّ، وأدت إعاقة سفينة 'مافي مرمرة' على يد إسرائيل إلى وضع أوباما في موقف محرج، ما أجبره على الاختيار بين إدانة إسرائيل، وبالتالي كسب بعض النقاط في العالم الإسلامي، أو دعم حق حليفه المحاصَر بالدفاع عن نفسه. نجح أوباما الذي يعمل عن كثب مع نتنياهو- هما تكلّما ثلاث مرّات هاتفياً على الأقل خلال الأزمة- في وضع مقاربة منعت حصول شرخ في العلاقات التركية الإسرائيلية، وأعاق إصدار قرار لإدانتها في مجلس الأمن، وفرض تحقيقاً يروق لإسرائيل، وهو الآن يعمل على تجنب فك الحصار بشكل كامل عن غزة بطريقة تلبّي متطلبات الحياة العادية لسكّان غزة وتحترم في الوقت نفسه مخاوف إسرائيل المشروعة على المستوى الأمني. غير أنّ إقدام أوباما على حماية مصالح إسرائيل في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بالاحتجاج على عمليات القتل المأساوية التي ارتكبتها إسرائيل بحق محتجّين عسكريين لن يمرّ من دون دفع ثمن باهظ. لقد تبددت جهود الرئيس للتواصل مع العالم الإسلامي. الأمر الوحيد الذي يمكن أن يعوّض عن ذلك هو التحرّك الجدي لحلّ المشكلة الفلسطينية. في هذا الإطار، يساهم قرار نتنياهو في تجميد إطلاق عمليات بناء جديدة في الضفة الغربية وتجنّب أي أعمال استفزازية في القدس الشرقية في تهيئة الأجواء المناسبة، ويدلّ إقدام السلطة الفلسطينية على تنظيم أراضي الضفة الغربية التي تخضع لسيطرتها بهدف منع الهجمات العنيفة على الإسرائيليين على وجود شريك فلسطيني مسؤول. فضلاً عن ذلك، دعمت الجامعة العربية رسمياً قبول الفلسطينيين إقامة محادثات غير مباشرة مع إسرائيل، وهي مبادرة لم تحذفها من حساباتها على الرغم من الأزمة في غزة.

مع أنّ قلّة من الناس لاحظت ذلك، لكن تجتمع هذه العوامل لإنشاء أفضل جوّ ممكن لإطلاق مفاوضات السلام منذ نشوب الانتفاضة الثانية في عام 2000. ومع ذلك، خلال أقل من أربعة أشهر، في حال لم يحصل أي تقدّم على الحدود وفي المسائل الأمنية، وفي حال لم تنطلق المفاوضات، سيتعرّض نتنياهو لضغوط هائلة بهدف إعادة إطلاق النشاطات الاستيطانية، وستُسحَب مبادرة الجامعة العربية. لا يمكن أن يصبّ ذلك في مصلحة نتنياهو أو أوباما، إذ يحاول أحدهما التغلّب على الاستياء الدولي، في حين يسعى الآخر إلى تحقيق تقدّم ملحوظ على مستوى 'المصلحة الأمنية الوطنية'.

لكن يكمن السؤال الجوهري في ما إذا كانا قادرين على تخطّي قلة الثقة التي اخترقت علاقتهما الشخصية وسمّمتها، وعلى بناء شراكة تمهّد للسلام. هل يستطيع أوباما إقناع نتنياهو بأنه يسعى إلى ضمان نجاحه كصانع سلام بدل العمل على انهيار حكومته الائتلافية التي يحكمها اليمين السياسي، وبأنه يعني كلامه حين يقول إنه 'مصمّم على منع إيران من الحصول على أسلحة نووية؟' وهل يستطيع نتنياهو إقناع أوباما بأنه جديّ بشأن تنفيذ حلّ إقامة الدولتين بدل المراوغة لكسب الوقت إلى حين حلول الاستحقاق الانتخابي الأميركي المقبل؟ كذلك، هل يستطيع نتنياهو تشجيع أوباما من خلال القيام بواجبه لعزل إيران عبر المشاركة في مفاوضات السلام مع سورية وتهدئة الأوضاع على الجبهة الإسرائيلية الشمالية؟

قد تؤدي مبادرتان بسيطتان إلى خلق جوّ مناسب لاختبار هذه المقترحات. حين يحضر نتنياهو إلى واشنطن في هذا الأسبوع، على أوباما أن يدعوه وحده إلى كامب دايفيد لإجراء حديث معه، في فترة بعد الظهر، أثناء التنزه في الغابة. في المقابل، يحتاج نتنياهو، الذي يعتبر وينستون تشيرشل قدوة له، إلى بذل جهد فعلي لكسب ثقة أوباما، تماماً كما حاول تشيرشل استمالة روزفلت تمهيداً لدخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية. إذا نجح الرجلان في فهم المسار الذي يجب اتباعه من الآن فصاعداً، يجب أن يردّ نتنياهو الدعوة من خلال استضافة أوباما في إسرائيل، حيث يستطيع مساعدة الرئيس على إطلاق عملية إعادة بناء ثقة الشعب الإسرائيلي بالنوايا الأميركية والتخلص من شعورهم بأنهم الضحايا المحارَبون.

كما قال تشيرشل: 'المماطلة في التحاور تبقى أفضل من اللجوء إلى دوامة الحرب اللامتناهية'. في حال تمكّن أوباما ونتنياهو من تعلم تقنية 'التحاور'، ربما سيتمكنان أيضاً من تحقيق سلام حقيقي.

* نائب الرئيس في الشؤون الخارجية في معهد بروكينغز، هو مؤلف كتاب 'Innocent Abroad: An Intimate Account of American Peace Diplomacy in the Middle East