شريف عبدالغني

laquo;سأنتخب جمال، لأنه متمرس سياسياraquo;، ربما كانت هذه العبارة هي مربط الفرس في ثرثرة الحوارات التي خرج بها الزعيم عادل إمام مؤخرا، والتي خصص جزءا منها لمهاجمة قادة التغيير في الشارع المصري وأبرزهم الشخصية الدولية المرموقة الدكتور محمد البرادعي. واستكمالا لما كتبته الاثنين الماضي بهذه الزاوية حول آراء عادل إمام وكيف أنه حول نفسه من ممثل إلى منظر سياسي يروج لمشاريع السلطة، فإنه وفقا لنظرية laquo;الشيء لزوم الشيءraquo; المسجلة باسم نجيب الريحاني، كان طبيعيا أن يكون الوجه الآخر لتصريحات الزعيم هو تسويق جمال مبارك وتبييض وجهه باعتباره البديل الوحيد المتاح لتولي الحكم.
وسألوا الزعيم: أليس ترشيح جمال توريثاً؟ هنا كانت إجابته الأكثر صدقا: laquo;منذ فترة طويلة نتحدث عن التوريث، وكأن جمال مبارك بتاع بطاطاraquo;، مضيفا: laquo;وينسى البعض أنه يعمل في السياسة ويرأس أمانة السياسات ومن حقه أن يرشح نفسه للرئاسة، وأنا من حقي كمواطن أن أنتخبهraquo;. إجابة عادل إمام هي عين العقل، فكلنا سننتخب جمال حتى لو لم نذهب إلى صناديق الاقتراع؛ لأن حكومتنا متعها الله بالصحة والعافية تعمل على راحتنا، وتصوت نيابة عنا وعن أهالينا الأحياء منهم والأموات.
لكني أتوقف عند تأكيد الزعيم على جدارة جمال بالسلطة، باعتباره رجل سياسة وليس laquo;بتاع بطاطاraquo;. هذه العبارة إن شئت الدقة هي أجمل تأكيد لحيثيات أحقية نجل الرئيس مبارك بالحكم، وإذا أردت العدل فإنها تضع مصر والعرب على قمة الهرم الديمقراطي في عموم كوكب الأرض. وعقد مقارنة بسيطة بين جمال مبارك وraquo;بتاع البطاطاraquo;، كفيل بأن يضع كل معارض شرير لسانه في فمه ويسكت للأبد عن النطق بالكلام الفارغ في حق جمال وraquo;التوريثraquo; الذي هو مشروع مصر القومي في الألفية الجديدة.
بداية نظرة على المولد والنشأة، تكشف الفارق الضخم بين الاثنين، فجمال ولد على يد أمهر الأطباء، بينما laquo;اللي ما يتسمىraquo; بائع البطاطا مثل غالبية المصريين الذين صور ميلادهم أحمد فؤاد نجم: laquo;فلاح تعيس.. في ليلة ضلمة خلفوه.. وفي خرقة سودة لفلفوه.. وفي عيشة غبرة طلعوه.. ولصموه.. وطلسموه.. ودجنوه.. وجهزوهraquo;. وبالتالي فمن الطبيعي أن يكون الأول راقي الأسلوب، سريع البديهة، رئيس جمهورية، بينما الثاني مواطن عشوائي، يفهم ما تقوله له اليوم بعد أسبوع، ليبقى ضمن سرب الشعب الذي تتحمل الدولة عبء جهله ومرضه ومعيشته وقرفه.
وجمال مبارك بالفعل كما قال الزعيم laquo;متمرس سياسياraquo;، وبالعودة إلى تاريخه سيتضح أن السياسة تسري في دمه منذ طفولته، فهو -كما ستذكر كتب التاريخ بعد توليه الحكم- قاد المظاهرات عندما كان في المرحلة الابتدائية تنديدا بالعدوان الإسرائيلي الغاشم في يونيو 67، وفي الإعدادية استهوته الأفكار الاشتراكية ونظم احتجاجات ترفض انفتاح laquo;السداح مداحraquo; الذي طبقه الرئيس الراحل أنور السادات، وفي الثانوية تأكد أن الشيوعية هي laquo;أفيون الشعوبraquo; ليتصدر مسيرات مؤيدة لسقوط الاتحاد السوفييتي عليه رحمة الله، أما في الجامعة فواصل نشاطه السياسي وترأس اتحاد الطلاب، وعارض علنا سياسة الاعتقالات وبطء الإصلاح السياسي في عهد الوالد الأب مبارك الأول، ليقود بعد ذلك أكبر عملية ترميم للدولة في مختلف المجالات وليعيد إلى كوبري أكتوبر رونقه كملتقى للمحبين بعدما تحول إلى شرفة للمنتحرين. كما أنه في عهد والده رفض تماما تفصيل laquo;أمانة السياساتraquo; بالحزب الحاكم على مقاسه ليرأسها مباشرة، وصمم على أن يأخذ الطريق الحزبي مثل الطريق الصحراوي من أوله، وبانتخابات نزيهة وشفافة ونظيفة بعدما استورد لها أحسن مساحيق الغسيل، وهكذا راح يتدرج في المناصب حتى وصل لرئاسة الحزب. في المقابل يفتقد laquo;بتاع البطاطاraquo; إلى هذا كله، فهو laquo;ورثraquo; عربة البطاطا من والده على الجاهز، ورفض الاستماع لنصائح الخبراء بأن يتدرج في عمله، فيبدأ ببيع الترمس على الكورنيش، ثم الخطوة التالية الجلوس على الرصيف لشي الذرة، قبل أن يصل للذروة ببيع البطاطا.
جمال مبارك يؤمن بـraquo;التغييرraquo; الديمقراطي، فهو في كل مرة يظهر فيها يقوم بعملية laquo;تغييرraquo;، مرة لربطة العنق، وأخرى للحذاء، وثالثة للساعة، بينما laquo;بتاع البطاطاraquo; لا يطبق laquo;التغييرraquo; أبدا، فهو دائما ما يظهر بنفس جلبابه العتيق المتهرّئ وعمامة الرأس البيضاء التي تتحول من اللف في الشوارع إلى اللون الأسود، والشيء الوحيد الذي يسعى إلى تغييره هو السيدة حرمه. وفي الوقت الذي يعيش فيه جمال طوال عمره في الأحياء المخملية رافعا شعار laquo;ملعون أبو الدولار إللي ما ينزه صاحبهraquo;، فإن laquo;بتاع البطاطاraquo; يرفض مغادرة المناطق العشوائية، ولا يفكر مطلقا في سكن الأحياء الراقية، أتعرفون لماذا؟ إنه البخل يا سادة، فكل هدفه هو جمع القرش على الجنيه والفرنك على اليورو من حصيلة البيع، وغالبا ما يحول أمواله إلى بنوك سويسرا.
نظرة على الأصدقاء تؤكد فارقا جوهريا جديدا بين الطرفين، مصداقا لرأي الزعيم عادل إمام، فأصحاب جمال هم أعضاء أمانة السياسات.. ناس أكابر في كل شيء، من البزنس الذي يلعبون فيه بالمليارات إلى السيجار الذي ينفثون مع دخانه همومهم بسبب المواطنين الذين أصبحوا مثل القطط laquo;تأكل وتنكرraquo;. أما أصحاب laquo;بتاع البطاطاraquo; فخليط من الخارجين على القانون من الباعة السرّيحة الذي يضربون الاقتصاد الوطني في مقتل ببيعهم أعلى من التسعيرة، ورفضهم سداد الضرائب، والتي عن طريقها تستطيع الحكومة العثور على وسيلة مواصلات تنقلها إلى مناطقهم العشوائية المجهولة لرصد مشاكلهم. وإذا كان أصحاب جمال مبارك يحافظون على البيئة ويسدون بأيديهم مداخن مصانعهم حرصا على هواء البلاد ورئات العباد، فإن أحدث التقارير أكدت أن laquo;بتاع البطاطاraquo; يترك العنان لمدخنة عربته ناشرا السحابة السوداء التي تملأ سماء القاهرة، وهناك معلومات تتردد بأنه السبب أيضا في laquo;خرمraquo; الأوزون.
لم يضبط أحد جمال مبارك في موقع طمع في سلطة أو جاه، فهو لم يقل أبدا إنه يريد كرسي الرئاسة، مكتفيا بأن هدفه خدمة مصر، فضلا عن أنه فقط يعين الوزراء ورئيس الوزراء حسبما كشف منظر النظام الجديد عادل إمام في تصريحاته laquo;جمال هو الذي جاب الحكومةraquo;، أما laquo;بتاع البطاطاraquo; فالطمع يغمره من laquo;ساسه لراسهraquo;، وإذا قابلته صدفة وسألته عن طموحاته، فسيؤكد أنه يحلم بالحصول على خبز يوميا بجنيه، ولا تتوقف أطماعه عند هذا الحد فهو يريد أن يشترى دجاجة كل شهر يرم بمرقتها عظامه، ليستطيع تكذيب شائعات زوجته المغرضة بعجزه وقلة حيلته.
لكل هذه الأسباب وغيرها أؤيد الزعيم عندما أكد أنه سينتخب جمال مبارك باعتباره (متمرس سياسيا) وليس laquo;بتاع بطاطاraquo;. وأخيرا هناك ملاحظة شكلية، فقد أطلق كهنة laquo;الزعيمraquo; عليه هذا اللقب بعدما قام ببطولة مسرحية تحمل نفس الاسم، ونسوا أنه قدم كذلك laquo;المتسولraquo; وraquo;الهلفوتraquo;!