مجدي شندي

تثير قضية فصل أوكتافيا نصر رئيس قسم الشرق الأوسط في شبكة سي إن إن وقضية إجبار السفيرة البريطانية في لبنان فرانسيس غاي على الاعتذار لمجرد إشادتهما بالمرجع الديني الراحل محمد حسين فضل الله كثيرا من الفزع، خاصة وان الشبكة الإخبارية الشهيرة ووزارة الخارجية البريطانية تعاملت معهما وكأنهما ارتكبتا فعلا فاضحا لا يليق بمثلهما، ومرجع هذا الفزع عدة أسباب:

فالقضية برمتها تؤكد من جديد أن الحرية التي أتاحتها لنا وسائل الاتصال الحديثة في التعبير عن ذاتنا ليست الا توهما، فالمدونات الشخصية التي حلت محل دفتر الذكريات والمواقع الاجتماعية التي حلت محل جلسات السمر مع الأصدقاء في قبضة الأخ الأكبر على النحو الذي صوره به جورج اورويل في روايته الفذة 1984 (حيث يكون البشر مجرد أرقام هامشية في الحياة بلا مشاعر ولا عواطف.

وليس لديهم طموحات أو آمال، يعملون كالآلات خوفا من الأخ الأكبر ولينالوا رضاه لأنه يراقبهم على مدار الساعة) فأوكتافيا كتبت رأيها في صفحتها على موقع تويتر( ولم تقله على شاشة سي إن إن) وفرانسيس كتبت ذلك في مدونة شخصية (وليس في إطار نشاط رسمي للسفارة) لكن هناك آلاف العيون تراقب وتحلل وتؤول وتعد الأنفاس دون أن ندري ثم تحاسب أصحاب الرأي المغردين خارج السرب.

- ثم ان الحرية التي يتغنى بها الغرب ذات اتجاه واحد، حرية أن تكون مع القطيع الذي يسبح ليل نهار بحمد إسرائيل وفضلها على البشرية وصواب كل ما تفعل، وإن حاول السياسي أو الإعلامي والباحث والمؤرخ والسينمائي أن يكون ذاته وأن يعكس قناعاته عليه أولا أن يتحسس رأسه، فيما عدا ذلك ليس مهما أن يكون مؤمنا أو كافرا، فاسدا أو صالحا، مزورا أو باحثا عن الحقيقة، فإسرائيل تحولت في واقع الحال الى صنم، وكل من يخرج عن عبادتها فقد صبأ.

ولم تعد القضية فقط ان تبدي حب إسرائيل رغما عن أنفك، وإنما أصبح مطلوبا أن تلعن أعداءها وأن تساهم في أبلستهم، ومن ثم فإن اي عاقل عليه أن يتفرس الف مرة في وجوه اولئك الذين يحظون بدعم غربي سواء كانوا ساسة او كتابا أو إعلاميين، فمزاعم الاستقلالية والمصالح المشتركة سقطت.

والقول بأن الجهات الغربية تدعم شخصا أو حزبا أو مؤسسة إعلامية لأنها تنشر التنوير أو تدافع عن القيم الليبرالية أو تسعى للتغيير مجرد أكذوبة كبيرة وتواطؤ على الذات، وبالانتقال من العام الى الشخصي فقد ألحت علي صحيفة مصرية من هذا النوع على مدى سنوات لكتابة مقال دوري فيها، وحين سألت: هل سقفكم السياسي يسمح بنشر كتاباتي؟ رد رئيس التحرير:

نحن لا سقف لنا.. اكتب ما تشاء، وأرسلت مقالا يتصادم مع مصالح الغرب وإسرائيل في المنطقة كنوع من الاختبار، وكنت اعرف النتيجة مقدما، فمن يضع نفسه ضمن الآلة الدعائية الغربية او يتلقى تمويلا من جهات خارجية لا يستطيع أن يكون سيد قراره وإن زعم وإدعى.

وربما يأتي وقت قريب تتاح فيه وثائق تكشف تلقي وسائط إعلامية يظنها كثيرون مستقلة ومحايدة وتلعب دورا بطوليا في مجتمعاتها لأموال من جهات غربية، ليعرف القارئ والمشاهد أن رقعة المتلاعبين بالعقول أكثر اتساعا مما يظن، وأن laquo;سولوفان الحريةraquo; المغلفة به كثير من الأفكار ليس الا ستارا لعملية غسيل أدمغة بشعة.

- ثالثا انه إذا كان الغرب لا يحتمل وجود أفراد يتمتعون باستقلالية التفكير، فكيف يتسع صدره لديمقراطيات تتمتع باستقلالية القرار السياسي، وتعمل على صون المصالح الوطنية لدولها، العارفون ببواطن الأمور يدركون أن الغرب مستعد للتعامل مع الشيطان إذا كان يخدم مصالحه، أما الأحرار والمناضلون الحقيقيون فلم يعد لهم مكان الا في الأساطير.