محمد السعيد ادريس

الاشتباكات التي وقعت بين القوة الفرنسية العاملة ضمن قوات المراقبة الدولية في جنوب لبنان المعروفة باسم ldquo;يونيفيلrdquo;، وبين الأهالي في بعض القرى الجنوبية، والضجيج الإعلامي، وامتداداته السياسية في أطراف الموالاة (فريق 14 آذار)، لم تكن عفوية بأي حال من الأحوال، فهذه الاشتباكات المتعمدة من جانب القوة الفرنسية في ldquo;اليونيفيلrdquo; تعتبر ضوءاً كاشفاً ورابطاً مشتركاً بين تطورات عدة تدفع لبنان نحو مواجهة قد تكون حاسمة تدبر لها ldquo;إسرائيلrdquo;، ولم يعد يؤخرها غير حسابات سياسية أمريكية ldquo;إسرائيليةrdquo; لها علاقة مباشرة بملف أزمة البرنامج النووي الإيراني وتطوراتها، وخاصة تداعياتها على ما يجري داخل العراق من استعدادات أمريكية لترتيب ملء الفراغ السياسي والعسكري الأمريكي بعد الانسحاب من ناحية، وله علاقة أيضاً ببعض الغموض المتعلق بملف العلاقات الأمريكية مع سوريا، وفرص تجديد التفاوض السوري ldquo;الإسرائيليrdquo; سواء بالوساطة التركية أو بدخول الولايات المتحدة طرفاً مباشراً في هذه الوساطة . والغموض في هذا الملف عدم حسم الموقف الأمريكي ldquo;الإسرائيليrdquo; من سوريا سلماً كان أم حرباً .

ولأن الحرب خيار قائم ومحتمل، فإن ما قامت به قوات ldquo;اليونيفيلrdquo; من تجاوز للقواعد الحاكمة لدورها في الجنوب اللبناني، وبالذات دخول القرى والتفتيش عن أسلحة واقتحام المنازل من دون مرافقة الجيش اللبناني، كشرط للتحرك في القرى اللبنانية، بل ورغم رفض واعتراض الجيش اللبناني على هذه المهام لا يمكن اعتباره إجراءات غير مدروسة، أو أنها تتم بمعزل عن أجواء التسخين والإعداد للحرب كهدف استراتيجي، لكنها، ولكي تصل إلى ذلك، تسعى إلى تحقيق أهداف تكتيكية أهمها تغيير قواعد الاشتباك في الجنوب، وتحويل أو انحراف هذه القوات الدولية، وخاصة الفرنسية منها، عن جوهر المهمة الموكلة إليها منذ 32 عاماً، أي منذ الاجتياح ldquo;الإسرائيليrdquo; لجنوب لبنان عام 1978 بناء على القرار ،425 وهي المساعدة في إجبار ldquo;إسرائيلrdquo; على الانسحاب الكامل من جنوب لبنان ومنع اعتداءاتها عليه .

هدف تغيير قواعد الاشتباك كأول هدف تكتيكي من افتعال القوة الفرنسية في ldquo;اليونيفيلrdquo; للاشتباكات الأخيرة مع الأهالي وتحميل ldquo;حزب اللهrdquo; مسؤوليتها، هو تغيير تلك المهمة من حماية الجنوب من الاعتداءات ldquo;الإسرائيليةrdquo;، ورصد هذه الاعتداءات وتبليغها إلى الأمن العام للأمم المتحدة، إلى مراقبة المقاومة، وخدمة مصالح ldquo;إسرائيلrdquo;، بل والتورط في جرائم تجسس لصالح الكيان الصهيوني، من خلال تعديل قواعد عملها في الجنوب، وإثارة الأزمة الآن قبيل شهرين فقط من موعد التجديد لهذه القوات يهدف إلى أن يأتي التمديد الجديد لها في جنوب لبنان مصحوباً بإعطائها صلاحيات جديدة، أبرزها التحرك الحر في قرى الجنوب، وأن تتحول إلى قوة تفتيش على المقاومة، وجعل جنوب لبنان منطقة مؤمنة ل ldquo;إسرائيلrdquo; من المقاومة، والتخلص من شرط مصاحبة الجيش اللبناني لعملياتها، بمعنى أن تتحول إلى قوة استطلاع متقدمة للجيش ldquo;الإسرائيليrdquo; في جنوب لبنان .

ما يؤكد هذا الاستنتاج أن افتعال أزمة بين الأهالي في القرى الجنوبية وقوات اليونيفيل الفرنسية جاء مصحوباً ومتزامناً بأحداث وتطورات عديدة . أولى هذه التطورات إعلان ldquo;إسرائيلrdquo; لخرائط تكشف مواقع مخازن أسلحة تابعة للمقاومة في محاولة منها لجعل قضية ldquo;سلاح المقاومةrdquo; وخطره على أمن ldquo;إسرائيلrdquo; قضية لها كل الأولوية، ومنها يمكن تحقيق مجموعة أهداف، أولها جعل سلاح المقاومة بعد تضخيمه أحد المبررات الأساسية لحرب استباقية تعد لها ldquo;إسرائيلrdquo; ضد لبنان .

وثانيها، إعطاء المبررات الكافية لتوسيع مهام قوات اليونيفيل في الجنوب لسد ما تراه ldquo;إسرائيلrdquo; من ldquo;ثغراتrdquo; في القرار الدولي 1701 الذي وإن كان قد أبعد المقاومة إلى جنوب نهر الليطاني ودفع بالجيش اللبناني إلى الحدود للمرة الأولى، فإنه لم يمنع من وجود قوي غير منظور للمقاومة وأسلحتها في جنوب لبنان، ولذلك تسعى ldquo;إسرائيلrdquo; إلى تعديل هذا القرار بحيث يوسع من صلاحيات اليونيفيل ويجعلها قوة دولية هدفها تفريغ الجنوب نهائياً من المقاومة .

أما الهدف الثالث، وربما يكون الأهم، الدفع بتحويل مطلب تعديل القرار 1701 إلى قضية ساخنة أملاً في الوصول بهذا القرار، من خلال مجلس الأمن، إلى ما سبق أن كتبه في مجلة ldquo;نيوزويكrdquo; الأمريكية منذ فترة الكاتب فريد زكريا بالسعي إلى تطوير هذا القرار وتعديله ليصبح بمثابة مقدمة لاتفاقية سلام لبنانية ldquo;إسرائيليةrdquo; على غرار اتفاقية وادي عربة، أو معاهدة السلام المصرية ldquo;الإسرائيليةrdquo;، ما يطور من مهمة اليونيفيل إلى ما يشبه القوات الدولية العازلة الموجودة على الحدود بين مصر وrdquo;إسرائيلrdquo;، والتي هدفها بالأساس هو أمن ldquo;إسرائيلrdquo;، إلى جعل اليونيفيل طرفاً في حماية أمن ldquo;إسرائيلrdquo; .

ثاني التطورات التي سبقت افتعال قضية اليونيفيل في جنوب لبنان اكتشاف العديد من الخلايا الاستخباراتية ldquo;الإسرائيليةrdquo;، بعضها كان بمشاركة من أحد المشاركين في اليونيفيل، وآخرها كان توقيف موظف الاتصالات في شركة ldquo;ألفاrdquo; بتهمة التعامل مع ldquo;إسرائيلrdquo; . كل هذه الأنشطة الاستخباراتية ldquo;الإسرائيليةrdquo; تؤكد أن ldquo;إسرائيلrdquo; تنشط وتتحرك وتتعاون مع أطراف داخلية وإقليمية استعداداً لحرب قادمة، وأن ldquo;كلمة السرrdquo; في هذه الحرب هي سلاح المقاومة . والحملة التي تشتعل الآن سخونة من جانب البطريرك صفير وسمير جعجع .

ثالث هذه التطورات يتعلق باقتراب موعد إعلان المحكمة الدولية لحادثة اغتيال رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الأسبق، وما يجري ترتيبه وإعداده بين أمريكا وفرنسا وrdquo;إسرائيلrdquo; في موضوع المحكمة الدولية، وخصوصاً التسريب ldquo;الإسرائيليrdquo; حول إمكان حدوث تدهور أمني في لبنان، خصوصاً في الجنوب بعد صدور القرار الظني في حادثة اغتيال الحريري في شهر سبتمبر/ أيلول المقبل، حسب ما جاء على لسان رئيس الأركان ldquo;الإسرائيليrdquo; الجنرال جابي أشكنازي الذي كشف هذا الموعد، كما كشف ما هو أهم، وهو ما يتعلق باحتمال اتهام ldquo;حزب اللهrdquo; بالضلوع في الجريمة بعد استبعاد سوريا وrdquo;القاعدةrdquo; .

تطورات مهمة تزداد أهميتها مع حرص فرنسا وحلفائها في بيروت على فرض اتفاقية تعاون أمني مع لبنان على غرار الاتفاقية الأمريكية، ما يجعل من فرنسا طرفاً مباشراً في قضايا الأمن الداخلي اللبناني وترتيباته، وأولها بالطبع سلاح المقاومة الذي يسعى جميع هؤلاء إلى تجريده من منطلق كونه موجهاً نحو السلم والأمن الأهلي في لبنان وليس ضد ldquo;إسرائيلrdquo;، ونفي صفة المقاومة عن ldquo;حزب اللهrdquo; وحصره في كونه مجرد أداة تغلغل إيرانية .

أحداث وتشابكات كثيرة هدفها المقاومة، وعنوانها ldquo;اليونيفيلrdquo; والحرب المحتملة .